باب كيف الاستطاعة إلى الحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى الاستطاعة وجهان أحدهما أن يكون الرجل مستطيعا ببدنه واجدا من ماله ما يبلغه الحج فتكون استطاعته تامة ويكون عليه فرض الحج لا يجزيه ما كان بهذا الحال إلا أن يؤديه عن نفسه والاستطاعة الثانية أن يكون مضنوا في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب فيحج على المركب بحال وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بطاعته له أو قادر على مال يجد من يستأجره ببعضه فيحج عنه فيكون هذا ممن لزمته فريضة الحج كما قدر ومعروف في لسان العرب أن الاستطاعة تكون بالبدن وبمن يقوم مقام البدن وذلك أن الرجل يقول أنا مستطيع لأن أبني داري يعني بيده ويعنى بأن يأمر من يبنيها بإجارة أو يتطوع ببنائها له وكذلك مستطيع لأن أخيط ثوبي وغير ذلك مما يعمله هو بنفسه ويعمله له غيره فإن قال قائل الحج على البدن وأنت تقول في الأعمال على الأبدان إنما يؤديها عاملها بنفسه مثل الصلاة والصيام فيصلى المرء قائما فإن لم يقدر صلى جالسا أو مضطجعا ولا يصلى عنه غيره وإن لم يقدر على الصوم قضاه إذا قدر أو كفر ولم يصم عنه غيره وأجزأ عنه قيل له إن شاء الله تعالى الشرائع تجتمع في معنى وتفترق في غيره بما فرق الله به عز وجل بينها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو بما اجتمعت عليه عوام المسلمين الذين لم يكن فيهم أن يجهلوا أحكام الله تعالى فإن قال فادللني على ما وصفت من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قيل له إن شاء الله أخبرنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن فريضه الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم نعم قال سفيان هكذا حفظته عن الزهري وأخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فقالت يا رسول الله فهل ينفعه ذلك فقال نعم كما لو كان عليه دين فقضيته نفعه فكان فيما حفظ سفيان عن الزهري ما بين أن أباها إذا أدركته فريضة الحج ولا يستطيع أن يستمسك على راحلته أن جائزا لغيره أن يحج عنه ولد أو غيره وأن لغيره أن يؤدي عنه فرضا إن كان عليه في الحج إذا كان غير مطيق لتأديته ببدنه فالفرض ألزم له ولو لم يلزمه لقال


صفحة : 587

لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فريضة على أبيك إذا كان إنما أسلم ولا يستطيع أن يستمسك على الراحلة إن شاء الله تعالى ولقال لا يحج أحد عن أحد إنما يعمل المرء عن نفسه ثم بين سفيان عن عمرو عن الزهري في الحديث ما لم يدع بعده في قلب من ليس بالفهم شيئا فقال في الحديث فقالت له أينفعه ذلك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه وتأدية الدين عمن عليه حيا وميتا فرض من الله عز وجل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفي إجماع المسلمين فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تأديتها عنه فريضة الحج نافعة له كما ينفعه تأديتها عنه دينا لو كان عليه ومنفعته إخراجه من المأثم وإيجاب أجر تأديته الفرض له كما يكون ذلك في الدين ولا شيء أولى أن يجمع بينهما مما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه ونحن نجمع بالقياس بين ما أشبه في وجه وإن خالفه في وجه غيره إذا لم يكن شيئا أشد مجامعة له منه فيرى أن الحجة تلزم به العلماء فإذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين فالفرض أن يجمع بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وفيه فرق آخر أن العاقل للصلاة لا تسقط عنه حتى يصليها جالسا إن لم يقدر على القيام أو مضطجعا أو موميا وكيفما قدر وأن الصوم إن لم يقدر عليه قضاه فإن لم يقدر على قضاء كفر والفرض على الأبدان مجتمع في أنه لازم في حال ثم يختلف بما خالف الله عز وجل بينه ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يفرق بينه بما يفرق به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض من هو دونهم فالذي يخالفنا ولا يجيز أن يحج أحد عن أحد يزعم أن من نسى فتكلم في صلاة لم تفسد عليه صلاته ومن نسى فأكل في شهر رمضان فسد صومه ويزعم أن من جامع في الحج أهدى ومن جامع في شهر رمضان تصدق ومن جامع في الصلاة فلا شيء عليه ويفرق بين الفرائض فيما لا يحصى كثرة وعلته في الفرق بينها خبر وإجماع فإذا كانت هذه علته فلم رد مثل الذي أخذ به قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان الفضل ابن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت يا رسول الله إن فريضه الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه فقال نعم وذلك في حجة

صفحة : 588

الوداع قال الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج قال قال ابن شهاب حدثني سليمان بن يسار عن عبدالله بن عباس عن الفضل بن عباس أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله عليه في الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره قال فحجي عنه قال الشافعي أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن عبدالعزيز بن محمد الدراوردي عن عبدالرحمن بن الحرث المخزومي عن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن عبيدالله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكل منى منحر ثم جاءت امرأة من خثعم فقالت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير قد أفند وأدركته فريضة الله على عباده في الحج ولا يستطيع أداءها فهل يجزي عنه أن أؤديها عنه فقال نعم قال الشافعي وفي حديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان أن عليه أداءها إن قدر وإن لم يقدر أداها عنه فأداؤها إياها عنه يجزيه والأداء لا يكون إلا لما لزم قال الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت طاوسا يقول أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت إن أمي ماتت وعليها حج فقال حجي عن أمك أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول لبيك عن فلان فقال إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج عنك وروى عن جعفر ابن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال لشيخ كبير لم يحجج إن شئت فجهز رجلا يحج عنك قال الشافعي ولو جهز من هو بهذه الحال رجلا فحج عنه ثم أتت له حال يقدر فيها على المركب للحج ويمكنه أن يحج لم تجز تلك الحج عنه وكان عليه أن يحج عن نفسه فإن لم يفعل حتى مات أو صار إلى حال لا يقدر فيها على الحج وجب عليه أن يبعث من يحج عنه إذا بلغ تلك الحال أو مات لأنه إنما يجزي عنه حج غيره بعد أن لا يجد السبيل فإذا وجدها وجب عليه الحج وكان ممن فرض عليه ببدنه أن يحج عن نفسه إذا بلغ تلك الحال وما أوجب على نفسه من حج في نذر وتبرر فهو مثل حجة الإسلام وعمرته يلزمه أن يحج عن نفسه ويحجه عنه غيره إذا جاز أن يحج عنه حجة الإسلام وعمرته جاز ذلك فيما أوجب على نفسه

صفحة : 589

باب الخلاف في الحج عن الميت
قال الشافعي رحمه الله تعالى لا أعلم أحدا نسب إلى علم ببلد يعرف أهله بالعلم خالفنا في أن يحج عن المرء إذا مات الحجة الواجبة عنه إلا بعض من أدركنا بالمدينة وأعلام أهل المدينة والأكابر من ماضي فقهائهم تأمر به مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر علي بن أبي طالب وابن عباس به وغير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب وربيعة والذي قال لا يحج أحد عن أحد قاله وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه سوى ما روى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير روايته أنه أمر بعض من سأله أن يحج عن غيره ثم ترك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتج له بعض من قال بقوله بأن ابن عمر قال لا يحج أحد عن أحد وهو يروي عن ابن عمر ثلاثة وستين حديثا يخالف ابن عمر فيها منها ما يدعه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما يدعه لما جاء عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما يدعه لقول رجل من التابعين ومنها ما يدعه لرأي نفسه فكيف جاز لأحد نسب نفسه إلى علم أن يحل قول ابن عمر عنده في هذا المحل ثم يجعله حجة على السنة ولا يجعله حجة على قول نفسه وكان من حجة من قال بهذا القول أن قال كيف يجوز أن يعمل رجل عن غيره وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها بفرض الله عز وجل كيف والمسألة في شيء قد ثبتت فيه السنة مالا يسع عالما والله أعلم ولو جاز هذا لأحد جاز عليه مثله فقد يثبت الذي قال هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء بأضعف من إسناد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس أن يحج عن بعض وله في هذا مخالفون كثير منها القطع في ربع دينار ومنها بيع العرايا ومنها النهي عن بيع اللحم بالحيوان وأضعاف هذه السنن فكيف جاز له على من خالفه أن يثبت الأضعف ويرد على غيره الأقوى وكيف جاز له أن يقول بالقسامة وهي مختلف فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر الخلق يخالفه فيها وأعطى فيها بأيمان المدعين الدم وعظيم المال وهو لا يعطي بها جرحا ولا درهما ولا أقل من المال في غيرها فإن قال ليس في السنة قياس ولا عرض على العقل فحديث حج الرجل عن غيره أثبت من جميع ما ذكرت وأحرى أن لا يبعد عن العقل بعد ما وصفت من القسامة وغيرها ثم عاد فقال بما عاب من حج المرء عن غيره حيث لو تركه كان أجوز له وتركه حيث لا يجوز تركه فقال إذا أوصى الرجل أن يحج عنه حج عنه من ماله وأصل مذهبه أن لا يحج

صفحة : 590

أحد عن أحد كما لا يصلى أحد عن أحد وقد سألت بعض من يذهب مذهبه فقلت أرأيت لو أوصى الرجل أن يصلى أو يصام عنه بإجارة أو نفقة غير إجارة أو تطوع إيصام أويصلى عنه قال لا والوصية باطلة فقلت له فإذا كان إنما أبطل الحج لأنه كالصوم والصلاة فكيف أجاز أن يحج المرء عن غيره بماله ولم يبطل الوصية فيه كما أبطلها قال أجازها الناس قلت فالناس الذين أجازوها أجازوا أن يحج الرجل عن الرجل إذا أفند وإن مات بكل حال وأنت لم تجزها على ما أجازوها عليه مما جاءت به السنة ولم تبطلها إبطالك الوصية بالصوم والصلاة فلم يكن عنده فيها سنة ولا أثر ولا قياس ولا معقول بل كان عنده خلاف هذا كله وخلاف ما احتج به عن ابن عمر فما علمته إذا قال لا يحج أحد عن أحد استقام عليه ولا أمر بالحج في الحال التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه وعامة الفقهاء وما علمت من رد الأحاديث من أهل الكلام تروحوا من الحجة علينا إلى شيء تروحهم إلى إبطال من أبطل أصحابنا أن يحج المرء عن الآخر حيث أبطلها وأشياء قد تركها من السنن ولا شغب فيه شغبه في هذا فقلنا لبعض من قال ذلك لنا مذهبك في التروح إلى الحجة بهذا مذهب من لا علم له أو من له علم بلا نصفة فقال وكيف قلت أرأيت ما تروحت إليه من هذا أهو قول أحد يلزمه قوله فأنت تكبر خلافه أو قول آدمى قد يدخل عليه ما يدخل على الآدميين من الخطأ قال بل قول من يدخل عليه الخطأ قلنا فتركه بأن يحج المرء عن غيره حيث تركه مرغوب عنه غير مقبول منه عندنا قال فهو من أهل ناحيتكم قلنا وما زعمنا أن أحدا من أهل زماننا وناحيتنا بريء من أن يغفل وإنهم لكالناس وما يحتج منصف على امريء بقول غيره إنما يحتج على المرء بقول نفسه
ID ‘ ‘ (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية

والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:

(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل

ولا يكاد يقدر عليه.

وقال النووي في قوله صلى الله عليه وسلم: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن

العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر

كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .

صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا

صفحة : 591

باب الحال التي يجب فيها الحج
قال الشافعي رحمه الله ما أحب لأحد ترك الحج ماشيا إذا قدر عليه ولم يقدر على مركب رجل أو امرأة والرجل فيه أقل عذرا من المرأة ولا يبين لي أن أوجبه عليه لأني لم أحفظ عن أحد من المفتين أنه أوجب على أحد أن يحج ماشيا وقد روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجب المشي على أحد إلى الحج وإن أطاقه غير أن منها منقطعة ومنها ما قال الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم ابن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر قال قعدنا إلى عبدالله بن عمر فسمعته يقول سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما الحاج فقال الشعت التفل فقام آخر فقال يا رسول الله أي الحج أفضل قال العج والثج فقام آخر فقال يا رسول الله ما السبيل فقال زاد وراحلة قال وروى عن شريك بن أبي نمر عمن سمع أنس بن مالك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال السبيل الزاد والراحلة
باب الاستسلاف للحج
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن طارق بن عبدالرحمن عن عبدالله بن أبي أوفى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سألته عن الرجل لم يحج أيستقرض للحج قال لا قال الشافعي ومن لم يكن في ماله سعة يحج بها من غير أن يستقرض فهو لا يجد السبيل ولكن إن كان ذا عرض كثير فعليه أن يبيع بعض عرضه أو الاستدانة فيه حتى يحج فإن كان له مسكن وخادم وقوت أهله بقدر ما يرجع من الحج إن سلم فعليه الحج وإن كان له قوت أهله أو ما يركب به لم يجمعهما فقوت أهله ألزم له من الحج عندي والله أعلم ولا يجب عليه الحج حتى يضع لأهله قوتهم في قدر غيبته ولو آجر رجل نفسه من رجل يخدمه ثم أهل بالحج معه أجزأت عنه من حجة الإسلام وذلك أنه لم ينتقض من عمل الحج بالإجارة شيء إذا جاء بالحج بكماله ولا يحرم عليه أن يقوم بأمر غيره بغير أن ينقض من عمل الحج شيئا كما يقوم بأمر نفسه إذا جاء بما عليه وكما يتطوع فيخدم غيره لثواب أو لغير ثواب أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رجلا سأله فقال أوآجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك ألى إجر فقال ابن عباس نعم أولئك لهم نصيب مما كسبوا

صفحة : 592

والله سريع الحساب ولو حج رجل في حملان غيره ومؤنته أجزأت عنه حجة الإسلام وقد حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر حملهم فقسم بين عوامهم غنما من ماله فذبحوها عما وجب عليهم وأجزأت عنهم وذلك أنه ملكوا ما أعطاهم من الغنم فذبحوا ما ملكوا ومن كفاه غيره مؤنته أجزأت عنه متطوعا أو بأجرة لم ينتقض حجه إذا أتى بما عليه من الحج ومباح له أن يأخذ الأجرة ويقبل الصلة غنيا كان أو فقيرا الصله لا تحرم على أحد من الناس إنما تحرم الصدقة على بعض الناس وليس عليه إذا لم يجد مركبا أن يسأل ولا يؤاجر نفسه وأنما السبيل الذي يوجب الحج أن يجد المؤنة والمركب من شيء كان يملكه قبل الحج أو في وقته قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا كان فيما يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن السبيل الزاد والراحلة وكانت المرأة تجدهما وكانت مع ثقة من النساء في طريق مأهولة آمنة فهي ممن عليه الحج عندي والله أعلم وإن لم يكن معها ذو محرم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن فيما يوجد الحج إلا الزاد والراحلة وإن لم تكن مع حرة مسلمة ثقة من النساء فصاعدا لم تخرجمع رجال لا امرأة معهم ولا محرم لها منهم وقد بلغنا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير مثل قولنا في أن تسافر المرأة للحج وإن لم يكن معها محرم أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال سئل عطاء عن امرأة ليس معها ذو محرم ولا زوج معها ولكن معها ولائد وموليات يلين إنزالها وحفظها ورفعها قال نعم فلتحج قال الشافعي فإن قال قائل فهل من شيء يشبه غير ما ذكرت قيل نعم مالا يخالفنا فيه أحد علمته من أن المرأة يلزمها الحق وتثبت عليها الدعوى ببلد لا قاضي به فتجلب من ذلك البلد ولعل الدعوى تبطل عنها أو تأتى بمخرج من حق لو ثبت عليها مسيرة أيام مع غير ذي محرم إذا كانت معها امرأة وأن الله تعالى قال في المعتدات ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فقيل يقام عليها الحد فإذا كان هذا هكذا فقد بين الله عز وجل أنه لم يمنعها الخروج من حق لزمها وإن لم يكن هكذا وكان خروجها فاحشة فهي بالمعصية بالخروج إلى غير حق ألزم فإن قال قائل ما دل على هذا قيل لم يختلف الناس علمته أن المعتدة تخرج من بيتها لإقامة الحد عليها وكل حق لزمها والسنة تدل على أنها تخرج من بيتها للنداء كما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس فإذا كان الكتاب ثم السنة يدلان معا والإجماع في موضع على أن المرأة في الحال التي هي ممنوعة فيها من خروج إلى سفر أو خروج من بيتها في العدة إنما هو على أنها ممنوعة مما لا يلزمها

صفحة : 593

ولا يكون سبيلا لما يلزمها وما لها تركه فالحج لازم وهي له مستطيعة بالمال والبدن ومعها امرأة فأكثر ثقة فإذا بلغت المرأة المحيض أو استكملت خمس عشرة سنة ولا مال لها تطيق به الحج يجبر أبواها ولا ولى لها ولا زوج المرأة على أن يعطيها من ماله ما يحجها به قال ولو أراد رجل الحج ماشيا وكان ممن يطيق ذلك لم يكن لأبيه ولا لوليه منعه من ذلك قال ولو أرادت المرأة الحج ماشية كان لوليها منعها من المشي فيما لا يلزمها قال وإذا بلغت المرأة قادرة بنفسها ومالها على الحج فأراد وليها منعها من الحج أو أراده زوجها منعها منه ما لم تهل بالحج لأنه فرض بغير وقت إلا في العمر كله فإن أهلت بالحج بإذنه لم يكن له منعها وإن أهلت بغير إذنه ففيها قولان أحدهما أن عليه تخليتها ومن قال هذا القول لزمه عندي أن يقول لو تطوعت فأهلت بالحج أن عليه نخليتها من قبل أن من دخل في الحج ممن قدر عليه لم يكن له الخروج منه ولزمه غير أنها إذا اتنفلت بصوم لم يكن له منعها ولزمه عندي في قوله أن يقول ذلك في الاعتكاف والصلاة والقول الثاني أن تكون قال الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها هي بمنزلة الحصر قال الشافعي وأحب لزوجها أن لا يمنعها فإن كان واجبا عليه أن لا يمنعها كان قد أدى ما عليه وأن له تركه إياها أداء الواجب وإن كان تطوعا أجر عليه إن شاء الله تعالى الخلاف في هذا الباب قال الشافعي رحمه الله تعالى فذهب بعض أهل الكلام إلى معنى سأصف ما كلمني به ومن قال قوله فزعم أن فرض الحج على المستطيع إذا لزمه في وقت يمكنه أن يحج فيه فتركه في أول ما يمكنه كان آثما بتركه وكان كمن ترك الصلاة وهو يقدر على صلاتها حتى ذهب الوقت وكان إنما يجزئه حجه بعد أول سنة من مقدرته عليه قضاء كما تكون الصلاة بعد ذهاب الوقت قضاء ثم أعطانا بعضهم ذلك في الصلاة إذا دخل وقتها الأول فتركها فإن صلاها في الوقت وفيما نذر من صوم أو وجب عليه بكفارة أو قضاء فقال فيه كله متى أمكنه فأخره فهو عاص بتأخيره ثم قال في المرأة يجبر أبوها وزوجها على تركها لهذا المعنى وقاله معه غيره ممن يفتى ولا أعرف فيه حجة إلا ما وصفت من مذهب بعض أهل الكلام قال الشافعي وقال لي نفر منهم نسألك من أين قلت في الحج للمرء أن يؤخره وقد أمكنه فإن جاز ذلك جاز لك ما قلت في المرأة قلت استدلالا مع كتاب الله عز وجل بالحج اللازمة قالوا

صفحة : 594

فاذكرها قلت نعم نزلت فريضة الحج بعد الهجرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحاج وتخلف هو عن الحج بالمدينة بعد منصرفه من تبوك لا محاربا ولا مشغولا وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا كما تقولون لم يتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرض عليه لأنه لم يصل إلى الحج بعد فرض الحج إلا في حجة الإسلام التي يقال لها حجة الوداع ولم يدع مسلما يتخلف عن فرض الله تعالى عليه وهو قادر عليه ومعهم ألوف كلهم قادر عليه لم يحج بعد فريضة الحج وصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في وقتين وقال ما بين هذين وقت وقد أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة حتى نام الصبيان والنساء ولو كان كما تصفون صلاها حين غاب الشفق وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها إن كان ليكون على الصوم من شهر رمضان فما أقدر على أن أقضيه حتى شعبان وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لامرأة أن تصوم يوما وزوجها شاهد إلا بإذنه قال الشافعي فقال لي بعضهم فصف لي وقت الحج فقلت الحج ما بين أن يجب على من وجب عليه إلى أن يموت أو يقضيه فإذا مات علمنا أن وقته قد ذهب قال ما الدلالة على ذلك قلت ما وصفت من تأخير النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وكثير ممن معه وقد أمكنهم الحج قال فمتى يكون فائتا قلت إذا مات قبل أن يؤديها أو بلغ مالا يقدر على أدائه من الإفناد قال فهل يقضي عنه قلت نعم قال أفتوجدني مثل هذا قلت نعم يكون عليه الصوم في كل ما عدا شهر رمضان فإذا مات قبل أن يؤديه وقد أمكنه كفر عنه لأنه كان قد أمكنه فتركه وإن مات قبل أن يمكنه لم يكفر عنه لأنه لم يمكنه أن يدركه قال أفرأيت الصلاة قلت موافقة لهذا في معنى مخالفة له في آخر قال وما المعنى الذي توافقه فيه قلت إن للصلاة وقتين أول وآخر فإن أخرها عن الوقت الأول كان غير مفرط حتى يخرج الوقت الآخر فإذا خرج الوقت قبل أن يصلى كان آثما بتركه ذلك وقد أمكنه غير أنه لا يصلى أحد عن أحد قال وكيف خالفت بينهما قلت بما خالف الله ثم رسوله بينهما ألا ترى أن الحائض تقضي صوما ولا تقضي صلاة ولا تصلي وتحج وأن من أفسد صلاته بجماع أعاد بلا كفارة في شيء منها وأن من أفسد صومه بجماع كفر وأعاد وأن من أفسد حجه بجماع كفر غير كفارة الصيام وأعاد قال قد أرى افتراقهما فدع ذكره قال الشافعي فإن قال قائل فكيف لم تقل في المرأة تهل بالحج فيمنعها وليها أنه لا حج عليها ولا

صفحة : 595

دم إذا لم يكن لها ذلك وتقول ذلك في المملوك قلت إنما أقول لا حج عليها ولا دم على من كان لا يجوز له بحال أن يكون محرما في الوقت الذي يحرم فيه والإحرام لهذين جائز بأحوال أو حال ليسا ممنوعين منه بالوقت الذي أحرما فيه إنما كانا ممنوعين منه بأن لبعض الآدميين عليهما المنع ولو خلاهما كان إحراما صحيحا عنهما معا فإن قال فكيف قلت ليهريقا الدم في موضعهما قلت نحر النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحل إذ أحصر فإن قال ويشبه هذا المحصر قيل لا أحسب شيئا أولى أن يقاس عليه من المحصر وهو في بعض حالاته في أكثر من معنى المحصر وذلك أن المحصر مانع من الأدميين بخوف من الممنوع فجعل له الخروج من الإحرام وإن كان المانع من الآدميين متعديا بالمنع فإذا كان لهذه المرأة والمملوك مانع من الآدميين غير متعد كانا مجامعين له في منع بعض الآدميين وفي أكثر منه من أن الآدمي الذي منعهما له منعهما قال الشافعي في العبد يهل بالحج من غير إذن سيده فأحب إلى أن يدعه سيده وله منعه وإذا منعه فالعبد كالمحصر لا يجوز فيه إلا قولان والله أعلم أحدهما أن ليس عليه إلا دم لا يجزيه غيره فيحل إذا كان عبدا غير واجد للدم ومتى عتق ووجد ذبح ومن قال هذا في العبد قاله في الحر يحصر بالعدو وهو لا يجد شيئا يحلق ويحل ومتى أيسر أدى الدم والقول الثاني أن تقوم الشاة دراهم والدراهم طعاما فإن وجد الطعام تصدق به وإلا صام عن كل مد يوما والعبد بكل حال ليس بواجد فيصوم قال الشافعي ومن ذهب هذا المذهب قاسه على ما يلزمه من هدى المتعة فإن الله عز وجل يقول فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم فلو لم يجد هديا ولم يصم لم يمنعه ذلك من أن يحل من عمرته وحجه ويكون عليه بعده الهدى أو الطعام فيقال إذا كان للمحصر أن يحل بدم يذبحه فلم يجده حل وذبح متى وجد أو جاء بالبدل من الذبح إذا كان له بدل ولا يحبس للهدى حراما على أن يحل في الوقت الذي يؤمر فيه بالإحلال وقاسه من وجه آخر أيضا على ما يلزمه من جزاء الصيد فإن الله تعالى يقول يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما فيقول إن الله عز وجل لما ذكر الهدى في هذا الموضع وجعل بدله غيره وجعل في الكفارات أبدالا ثم ذكر في المحصر الدم ولم يذكر غيره كان شرط الله جل ثناؤه الإبدال في غيره مما يلزم ولا يجوز للعالم أن يجعل ما أنزل مما يلزم في النسك مفسرا دليلا على ما أنزل مجملا فيحكم في المجمل حكم المفسر كما قلنا في ذكر

صفحة : 596

رقبة مؤمنة في قتل مثلها رقبة في الظهار وإن لم يذكر مؤمنة فيه وكما قلنا في الشهود حين ذكروا عدولا وذكروا في موضع آخر فلم يشترط فيهم العدول هم عدول في كل موضع على ما شرط الله تعالى في الغير حيث شرطه فاستدللنا والله أعلم على أن حكم المجمل حكم المفسر إذا كانا في معنى واحد والبدل ليس بزيادة وقد يأتى موضع من حكم الله تعالى لا نقول هذا فيه هذا ليس بالبين أن لازما أن نقول هذا في دم الإحصار كل البيان وليس بالبين وهو مجمل والله أعلم قال الشافعي وفي المرأة المعتدة من زوج له عليها الرجعة تهل بالحج إن راجعها فله منعها وإن لم يراجعها منعها حتى تنقضى العدة فإذا انقضت العدة فهي مالكة لأمرها ويكون لها أن تتم على الحج وهكذا المالكة لأمرها الثيب تحرم يمنع وليها من حبسها ويقال لوليها إن شئت فاخرج معها وإلا بعثنا بها مع نساء ثقات فإن لم تجد نساء ثقة لم يكن لها في سفر أن تخلو برجل ولا امرأة معها فإن قال قائل كيف لم تبطل إحرامها إذا أحرمت في العدة قلت إذا كانت تجد السبيل إليه بحال لم أعجل بإبطاله حتى أعلم أن لا تجد السبيل إليه وإن أهلت في عدة من وفاة أو هي قد أتى على طلاقها لزمها الإهلال ومنعها الخروج حتى تتم عدتها فإن انقضت خرجت فإن أدركت حجا وإلا حلت بعمل عمرة فإن قال قائل فلم لا تجعلها محصرة بمانعها قلت له منعها إلى مدة فإذا بلغتها لم يكن له منعها وبلوغها أيام يأتى عليها ليس منعها بشيء إلى غيرها ولا يجوز لها الخروج حتى يأذن لها فإذا بلغتها لم يكن لغيرها سبيل عليها بمنعها منه والعبد إذا منعه سيده لم يكن عليه تخليته فإن قيل قد يعتق قيل عتقه شيء يحدثه غيره له أو لا يحدثه وليس كالمعتدة فيما لمانعها من منعها فان أهل عبد بحج فمنعه سيده حل وإن عتق بعد ما يحل فلا حج عليه إلا حجة الإسلام وإن عتق قبل أن يحال مضى في إحرامه كما يحصر الرجل بعدو فيكون له أن يحل فإن لم يحل حتى يأمن العدو لم يكن له أن يحل وكان عليه أن يمضي في إحرامه ولو أن امرأة مالكة لأمرها أهلت بحج ثم نكحت لم يكن لزوجها منعها من الحج لأنه لزمها قبل أن يكون له منعها ولا نفقة لها عليه في مضيها ولا في إحرامها في الحج لأنها مانعة لنفسها بغير إذنه كان معها في حجها أو لم يكن ولا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم قال الربيع هذه المسألة فيها غلط لأن الشافعي يقول لا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم فلما أهلت بحج ثم نكحت كان نكاحها باطلا ولم يكن لها زوج يمنعها وتمضي في حجها وليس لها زوج تلزمه النفقة لها لأنها ليست في أحكام الزوجات ولعل الشافعي إنما حكى هذا القول في قول من يجيز نكاح المحرم فأما قوله فإنه لا يجوز نكاح المحرم ولا

صفحة : 597

المحرمة وهذا له في كتاب الشغار قال الشافعي وعلى ولي السفيهة البالغة إذا تطوع لها ذو محرم وكان لها مال أن يعطيها من مالها ما تحج به إذا شاءت ذلك وكان لها ذو محرم يحج بها أو خرجت مع نساء مسلمات
باب المدة التي يلزم فيها الحج ولا يلزم
قال الشافعي رحمه الله وإذا احتلم الغلام أو حاضت الجارية وإن لم يستكملا خمس عشرة سنة أو استكملا خمس عشرة سنة قبل البلوغ وهما غير مغلوبين على عقولهما واجدان مركبا وبلاغا مطيقان المركب غير محبوسين عن الحج بمرض ولا سلطان ولا عدو وهما في الوقت الذي بلغا فيه قادران بموضع لو خرجا منه فسارا بسير الناس قدرا على الحج فقد وجب عليهما الحج فإن لم يفعلا حتى ماتا فقد لزمهما الحج وعليهما بأنهما قادران عليه في وقت يجزيء عنهما لو مضيا فيه حتى يقضى عنهما الحج وإن كانا بموضع يعلمان أن لو خرجا عند بلوغهما لم يدركا الحج لبعد دارهما أو دنو الحج فلم يخرجا للحج ولم يعيشا حتى أتى عليهما حج قابل فلا حج عليهما ومن لم يجب الحج عليه فيدعه وهو لو حج أجزأه لم يكن عليه قضاؤه ولو كانا إذا بلغا فخرجا يسيران سيرا مباينا لسير الناس في السرعة حتى يسيرا مسيرة يومين في سير العامة في يوم ومسيرة ثلاث في يومين لم يلزمهما عندي والله أعلم أن يسيرا سيرا يخالف سير العامة فهذا كله لو فعلا كان حسنا ولو بلغا عاقلين ثم لم يأت عليهما مخرج أهل بلادهما حتي غلب على عقولهما ولم ترجع إليهما عقولهما في وقت لو خرجا فيه أدركا حجا لم يلزمهما أن يحج عنهما وإنما يلزمهما أن يحج عنهما إذا أتى عليهما وقت يعقلان فيه ثم لم تذهب عقولهما حتى يأتى عليهما وقت لو خرجا فيه إلى الحج بلغاه فإن قال قائل ما فرق بين المغلوب على عقله وبين المغلوب بالمرض قيل الفرائض على المغلوب على عقله زائلة في مدته كلها والفرائض على المغلوب بالمرض العاقل على بدنه غير زائلة في مدته ولو حج المغلوب على عقله لم يجز عنه لا يجزي عمل على البدن لا يعقل عامله قياسا على قول الله عز وجل لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ولو حج العاقل المغلوب بالمرض أجزأ عنه ولو كان بلوغهما في عام جدب الأغلب فيه على الناس خوف الهلكة بالعطش في سفر أهل ناحية هما فيها أو لم يكن مالا بد لهم منه من علف موجود فيه أو في خوف من عدو لا يقوى جماعة حاج مصرهما عليه أو اللصوص كذلك أشبه هذا والله أعلم أن يكون من أراد فيه الحج غير مستطيع له فيكون غير لازم له بأنه غير مستطيع فإن مات قبل أن يمكنه الحج

صفحة : 598

بتغير هذا لم يكن عليه حج وكذلك لو حج أول ما بلغ فاحصر بعدو فنحر وحل دون مكة ورجع فلم يمكنه الحج حتى يموت لم يكن عليه حج ولو كان ما وصفت من الحائل في البر وكان يقدر على الركوب في البحر فيكون له طريقا أحببت له ذلك ولا يبين لي أنه يجب عليه ركوب البحر للحج لأن الأغلب من ركوب البحر خوف الهلكة ولو بلغا مغلوبين على عقولهما فلم يفيقا فتأتى عليهما مدة يعقلان فيها ويمكنهما الحج لم يكن عليهما وإذا بلغا معا فمنعا الحج بعدو حائل بين أهل ناحيتهما معا وبين الحج ثم لم يأت عليهما مدة وقت الحج يقدران هما ولا غيرهما من أهل ناحيتهما فيه على الحج فلا حج عليها يقضى عنهما أن ماتا قبل تمكنهما أو أحد من أهل ناحيتهما من الحج ولو حيل بينهما خاصة بحبس عدو أو سلطان أو غيره وكان غيرهما يقدر على الحج ثم ماتا ولم يحجا كان هذان ممن عليه الاستطاعة بغيرهما ويقضى الحج عنهما وكذلك لو كان حبس ببلده أو في طريقه بمرض أو زمن لا بعلة غيره وعاش حتى الحج غير صحيح ثم مات قبل أن يصح وجب عليه الحج وجماع هذا أن يكون البالغان إذا لم يقدرا بأي وجه ما كانت القدرة بأبدانهما وهما قادران بأموالهما وفي ناحيتهما من يقدر على الحج غيرهما ثم ماتا قبل أن يحجا فقد لزمهما الحج إنما يكون غير لازم لهما إذا لم يقدر أحد من أهل ناحيتهما على الحج ببعض ما وصفت فإن قال قائل ما خالف بين هذا وبين المحصر بما ذكرت من عدو وحدث قيل ذلك لا يجد السبيل بنفسه إلى الحج ولا إلى أن يحج عنه غيره من ناحيته من قبل أن غيره في معناه في خوف العدو والهلكة بالجدب والزمن والمرض وإن كان معذورا بنفسه فقد يمكنه أن يحج عنه صحيح غيره ومثل هذا أن يحبسه سلطان عن حج أو لصوص وحده وغيره يقدر على الحج فيموت فعليه أن يحج عنه والشيخ الفاني أقرب من العذر من هذين وقد وجب عليه أن يحج عنه إذا وجد من يحج عنه
ID ‘ ‘ يتوقف فيه إلا جاهل غبي.

والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب – الحذف كما حكاه

الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن

يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما

سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.

وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله

صفحة : 599

باب الاستطاعة بنفسه وغيره
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قول الله من استطاع إليه سبيلا على معنيين أحدهما أن يستطيعه بنفسه وماله والآخر أن يعجز عنه بنفسه بعارض كبر أو سقم أو فطرة خلقة لا يقدر معها على الثبوت على المركب ويكون من يطيعه إذا أمره بالحج عنه إما بشيء يعطيه إياه وهو واجد له وإما بغير شيء فيجب عليه أن يعطي إذا وجد أو يأمر إن أطيع وهذه إحدى الاستطاعتين وسواء في هذا الرجل يسلم ولا يقدر على الثبوت على المركب أو الصبي يبلغ كذلك أو العبد يعتق كذلك ويجب عليه إن قدر على الثبوت على المحمل بلا ضرر وكان واجدا له أو لمركب غيره وإن لم يثبت على غيره أن يركب المحمل أو ما أمكنه الثبوت عليه من المركب وإن كان واحد من هؤلاء لا يجد مطيعا ولا مالا فهو ممن لا يستطيع بالبدن ولا بالطاعة فلا حج عليه وجماع الطاعة التي توجب الحج وتفريعها اثنان أحدهما أن يأمر فيطاع بلا مال والآخر أن يجد ما لا يستأجر به من يطيعه فتكون إحدى الطاعتين ولو تحامل فحج أجزأت عنه ورجوت أن يكون أعظم أجرا ممن يخف ذلك عليه ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحج عن أبيها إذا أسلم وهو لا يستمسك على الراحلة فدل ذلك على أن عليه الفرض إذا كان مستطيعا بغيره إذا كان في هذه الحال والميت أولى أن يجوز الحج عنه لأنه في أكثر من معنى هذا الذي لو تكلف الحج بحال أجزأه والميت لا يكون فيه تكلف أبدا
ID ‘ ‘ ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت

جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت

عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها

هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت

خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها

فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر

على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.

ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه

والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب

صفحة : 600

باب الحال التي يجوز أن يحج فيها الرجل عن غيره
قال الشافعي رحنه الله تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج الواجب أن يحج المرء عن غيره فاحتمل القياس على هذا وجهين أحدهما أن الله تعالى فرض على خلقه فرضين أحدهما فرض على البدن والآخر فرض في المال فلما كان ما فرض الله على الأبدان عليها لا يتجاوزها مثل الصلاة والحدود والقصاص وغيرها ولا يصرف عنها إلى غيرها بحال وكان المريض يصلى كما رأي ويغلب على عقله فيرتفع عنه فرض الصلاة وتحيض المرأة فيرتفع عنها فرض الصلاة في وقت الغلبة على العقل والحيض ولا يجزي المغلوب على عقله صلاة صلاها وهو مغلوب على عقله وكذلك الحائض لا تجزيها صلاة صلتها وهي حائض ولا يجب عليهما أن يصلى عنهما غيرهما في حالهما تلك فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء أن يحج عن غيره حجة الإسلام كان هذا كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الإسلام وعمرته وكل ما وجب على المرء بإيجابه على نفسه من حج وعمرة وكان ما سوى هذا من حج تطوع أو عمرة تطوع لا يجوز لأحد أن يحجه عن أحد ولا يعتمر في حياته ولا بعد موته ومن قال هذا كان وجها محتملا ولزمه أن يقول لو أوصى رجلا أن يحج عنه تطوعا بطلت الوصية كما لو أوصى أن يصلى عنه بطلت الوصية ولزمه أن يقول إن حج أحد عن أحد بوصية فهي في ثلثه والإجارة عليه فاسدة ثم يكون القول فيما أخذ من الإجارة على هذا واحدا من قولين أحدهما أن له أجر مثله ويرد الفضل مما أخذ عليه ويلحق بالفضل إن كان نقصه كما يقول في كل إجارة فاسدة والآخر أن لا أجرة له لأن عمله عن نفسه لا عن غيره والقول الثاني أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر المرء أن يحج عن غيره في الواجب دل هذا على أن يكون الفرض على الأبدان من وجهين أحدهما مالا يعمله المرء عن غيره مثل الصلاة ولا يحمله عنه غيره مثل الحدود وغيرها والآخر النسك من الحج والعمرة فيكون للمرء أن يعمله عن غيره متطوعا عنه أو واجبا عليه إذا صار في الحال التي لا يقدر فيها على الحج ولا يشبه أن يكون له أن يطتوع عنه والمتطوع عنه يقدر على الحج لأن الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالحج عنه هي الحال التي لا يقدر فيها على أن يحج عن نفسه ولأنه لو تطوع عنه وهو يقدر على الحج لم يجز عنه من حجة الإسلام فلما كان هو لو تطوع عن نفسه كانت حجة الإسلام وإن لم ينوها فتطوع عنه غيره لم يجز عنه وقد ذهب عطاء مذهبا يشبه أن يكون أراد أن يجزي عنه أن يتطوع عنه بكل نسك

صفحة : 601

من حج أو عمرة إن عملهما مطيقا له أو غير مطيق وذلك أن سفيان أخبرنا عن يزيد مولى عطاء قال ربما أمرني عطاء أن أطوف عنه قال الشافعي فكأنه ذهب إلى أن الطواف من النسك وأنه يجزي أن يعمله المرء عن غيره في أي حال ما كان وليس نقول بهذا وقولنا لا يعمل أحد عن أحد إلا والمعمول عنه غير مطيق العمل بكبر أو مرض لا يرجى أن يطيق بحال أو بعد موته وهذا أشبه بالسنة والمعقول لما وصفت من أنه لو تطوع عنه رجل والمتطوع عنه يقدر على الحج لم يجز المحجوج عنه قال ومن ولد زمنا لا يستطيع أن يثبت على مركب محمل ولا غيره أو عرض ذلك له عند بلوغه أو كان عبدا فعتق أو كافرا فأسلم فلم تأت عليه مدة يمكنه فيها الحج حتى يصير بهذه الحال وجب عليه إن وجد من يحج عنه بإجارة أو غير إجارة وإذا أمكنه مركب محمل أو شجار أو غيره فعليه أن يحج ببدنه وإن لم يقدر على الثبوت على بعير أو دابة إلا في محمل أو شجار وكيفما قدر على المركب وأي مركب قدر عليه فعليه أن يحج بنفسه لا يجزيه غيره قال ومن كان صحيحا يمكنه الحج فلم يحج حتى عرض له هذا كان له أن يبعث من يحج عنه لأنه قد صار إلى الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحج فيها عمن بلغها قال ولو كان به مرض يرجى البرء منه لم أر له أن يبعث أحدا يحج عنه حتى يبرأ فيحج عن نفسه أو يهرم فيحج عنه أو يموت فيحج عنه بعد الموت فإن قال قائل ما الفرق بين هذا المريض المضني وبين الهرم أو الزمن قيل له لم يصر أحد علمته بعد هرم لا يخلطه سقم غيره إلى قوة يقدر فيها على المركب والأغلب من أهل الزمانة أنهم كالهرم وأما أهل السقم فنراهم كثيرا يعودون إلى الصحة قال ولو حج رجل عن زمن ثم ذهبت زمانته ثم عاش مدة يمكنه فيها أن يحج عن نفسه كان عليه أن يحج عن نفسه لأنا إنما أذنا له على ظاهر أنه لا يقدر فلما أمكنته المقدرة على الحج لم يكن له تركه وهو يقدر على أن يعمله ببدنه والله أعلم قال ولو بعث السقم رجلا يحج عنه فحج عنه ثم برأ وعاش بعد البرء مدة يمكنه أن يحج فيها فلم يحج حتى مات كان عليه الحج وكذلك الزمن والهرم قال والزمن والزمانة التي لا يرجى البرء منها والهرم في هذا المعنى ثم يفارقهم المريض فلا نأمره أن يبعث أحدا يحج عنه ونأمر الهرم والزمن أن يبعثا من يحج عنهما فإن بعث المريض من يحج عنه ثم لم يبرأ حتى مات ففيها قولان أحدهما أن لا يجزيء عنه لأنه قد يعث في الحال التي ليس له أن يبعث فيها وهذا أصح القولين وبه آخذ والثاني أنها مجزية عنه لأنه قد حج عنه حر بالغ وهو لا يطيق ثم لم

صفحة : 602

يصر إلى أن يقوى على الحج بعد أن حج عنه غيره فيحج عن نفسه
باب من ليس له أن يحج عن غيره
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول لبيك عن فلان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن كنت حججت فلب عن فلان وإلا فاحجج عن نفسك ثم احجج عنه أخبرنا سفيان عنأيوب عن أبي قلابة قال سمع ابن عباس رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال ابن عباس ويحك وما شبرمة قال فذكر قرابة له فقال أحججت عن نفسك فقال لا قال فاحجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة قال الشافعي وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها ففي ذلك دلائل منها ما وصفنا من أنها إحدى الاستطاعين وإذا أمرها بالحج عنه فكان في الحال التي أمر فيها بالحج عنه وكان كقضاء الدين عنه فأبان أن العمل عن بدنه في حاله تلك يجوز أن يعمله عنه غيره فيجزيء عنه ويخالف الصلاة في هذا المعنى فسواء من حج عنه من ذي قرابة أو غيره وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحج عن رجل وهما مجتمعان في الإحرام كله إلا اللبوس فإنهما يختلفان في بعضه فالرجل أولى أن يجوز حجه عن الرجل والمرأة من المرأة عن الرجل وكل جائز مع ما روى عن طاوس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم مما كتبنا مما يستغنى فيه بنص الخبر ولو أن امرأ لم يجب عليه الحج إلا وهو غير مطيق ببدنه لم يكن على أحد غيره واجبا أن يحج عنه وأحب إلى أن يحج عنه ذو رحمه وإن كان ليس عليه أو يستأجر من يحج عنه من كان ولو كان فقير لا يقدر على زاد ومركب وإن كان بدنه صحيحا فلم يزل كذلك حتى أيسر قبل الحج بمدة لو خرج فيها لم يدرك الحج ثم مات قبل أن يأتى عليه حج آخر لم يجب عليه حج يقضى ولو أيسر في وقت لا يمكنه فيه الحج فأقام موسرا إلى أن يأتى عليه أشهر الحج ولم يدن الوقت الذي يخرج فيه أهل بلده لموافاة الحج حتى صار لا يجد زادا ولا مركبا ثم مات قبل حجه ذلك أو قبل حج آخر يوسر فيه لم يكن عليه حج إنما يكون عليه حج إذا أتى عليه وقت حج بعد بلوغ ومقدرة ثم لم يحج حتى يفوته الحج ولو كان موسرا محبوسا عن الحج وجب عليه أن يحج عن نفسه غيره أو يحج عنه بعد موته وهذا مكتوب في غير هذا الموضع
ID ‘ ‘ الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف

صفحة : 603

باب الإجارة على الحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى للرجل أن يستأجر الرجل يحج عنه إذا كان لا يقدر على المركب لضعفه وكان ذا مقدرة بماله ولوارثه بعده والإجارة على الحج جائزة جوازها على الأعمال سواه بل الإجارة إن شاء الله تعالى على البر خير منها على ما لا بر فيه ويأخذ من الإجارة ما أعطى وإن كثر كما يأخذها على غيره لا فرق بين ذلك ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان دم القران على الأجير وكان زاد المحجوج عنه خيرا لأنه قد جاء يحج وزاد معه عمرة ولو استأجر الرجل الرجل يحج عنه أو عن غيره فالإجارة جائزة والحج عنه من حيث شرط أن يحرم عنه ولا تجوز الإجارة على أن يقول تحج عنه ن بلد كذا حتى يقول تحرم عنه من موضع كذا لأنه يجوز الإحرام من كل موضع فإذا لم يقل هذا فالإجارة مجهولة وإذا وقت له موضعا يحرم منه فأحرم قبله ثم مات فلا إجارة له في شيء من سفره وتجعل الإجارة له من حين أحرم من الميقات الذى وقت له إلى أن يكمل الحج فإن أهل من وراء الميقات لم تحسب الإجارة إلا من الميقات وإن مر بالميقات غير محرم فمات قبل أن يحرم فلاإجارة له لأنه لم يعمل في الحج وإن مات بعد ما أحرم من وراء الميقات حسبت له الإجارة من يوم أحرم من وراء الميقات ولم تحسب له من الميقات إذا لم يحرم منه لأنه ترك العمل فيه وإن خرج للحج فترك الإحرام والتلبية وعمل عمل الحج أو لم يعمله إذا قال لم أحرم بالحج أو قال اعتمرت ولم أحج أو قال استؤجرت على الحج فاعتمرت فلا شيء له وكذلك لو حج فأفسده لأنه تارك للاجارة مبطل لحق نفسه ولو استأجره ليحج عنه على أن يحرم من موضع فأحرم منه ثم مات في الطريق فله من الإجارة بقدر ما مضى من سفره أو استأجره على أن يهل من وراء الميقات ففعل فقد قضى بعض ما استأجره عليه وإذا استأجره فإنما عليه أن يحرم من الميقات وإحرامه قبل الميقات تطوع ولو استأجره على أن يحج عنه من اليمن فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى الميقات الذي استؤجر عليه فأهل بحج عن الذي استأجره فلا يجزيه إذا أهل بالعمرة عن نفسه إلا أن يخرج إلى ميقات المستأجر الذي شرط أن يهل منه فيهل عنه بالحج منه فإن لم يفعل وأهل بالحج من دون الميقات فكان عليه أن يهل فبلغ الميقات فأهل منه بالحج عنه أجزأ عنه وإلا أهراق دما وذلك من ماله دون مال المستأجر ويرد من الإجارة بقدر ما يصيب ما بين الميقات والموضع الذي أحرم منه لأنه شيء من عمله نقصه ولا يحسب الدم على المستأجر لأنه بعمله كان ويجزئه الحج على كل حال شرط عليه أن يهل من

صفحة : 604

دون الميقات أو من وراءالميقات أو منه وكل شيء أحدثه الأجير في الحج لم يأمره به المستأجر مما يجب عليه فيه الفدية فالفدية عليه في ماله دون مال المستأجر ولو أهل بالحج بعد العمرة عن نفسه من ميقات المستأجر عن المستأجر ثم مات قبل أن يقضي الحج كان له من الإجارة بقدر ما عمل من الحج وقد قيل لا أجر له إلا أن يكمل الحج ومن قال هذا القول قاله في الحاج عن الرجل لا يستوجب من الإجارة شيئا إلا بكمال الحج وهذا قول يتوجه والقياس القول الأول لأن لكل حظا من الإجارة ولو استأجره يحج عنه فأفسد الحج كان عليه أن يرد جميع ما استأجره به وعليه أن يقضى عن نفسه من قابل من قبل أنه لا يكون حاجا عن غيره حجا فاسدا وإذا صار الحج الفاسد عن نفسه فعليه أن يقضيه عن نفسه فلو حجه عن غيره كان عن نفسه ولو أخذ الإجارة على قضاء الحج الفاسد ردها لأنها لا تكون عن غيره ولو كان إنما أصاب في الحج ما عليه فيه الفدية مما لا يفسد الحج كانت عليه الفدية فيما أصاب والإجارة له ولو أستأجره للحج فأحصر بعدو ففاته الحج ثم دخل فطاف وسعى وحلق أن له من الإجارة بقدر ما بين أن أهل من الميقات إلى بلوغه الموضع الذي حبس فيه في سفره لأن ذلك ما بلغ من سفره في حجه الذي له الإجارة حتى صار غير حاج وإنما أخذ الإجارة على الحج وصار يخرج من الإحرام بعمل ليس من عمل الحج ولو استأجر رجل رجلا على أن يحج عنه فاعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن المستأجر خرج إلى ميقات المحجوج عنه فأهل عنه منه لا يجزيه غير ذلك فإن لم يفعل أهراق دما ولو استأجر رجل رجلا يحج عن رجل فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى ميقات المحجوج عنه الذي شرط أن يهل عنه منه إن كان الميقات الذي وقت له بعينه فأهل بالحج عنه أجزأت عن المحجوج عنه فإن ترك ميقاته وأحرم من مكة أجزأه الحج وكان عليه دم لترك ميقاته من ماله ورجع عليه مما استؤجر به بقدر ما ترك مما بين الميقات ومكة ولو استأجره على أن يتمتع عنه فأفرد أجزأت الحجة عنه ورجع بقدر حصة العمرة من الإجارة لأنه استأجره على عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يفرد فقرن عنه كان زاده عمرة وعلى المستأجر دم القران وهو كرجل استؤجر أن يعمل عملا فعمله وزاد آخر معه فلا شيء له في زيادة العمرة لأنه متطوع بها ولو استأجره على أن يقرن عنه فأفرد الحج أجزأ عنه الحج وبعث غيره يعتمر عنه إن كانت العمرة الواجبة ورجع عليه بقدر حصة العمرة من الإجارة لأنه استأجره على عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يحج عنه فأهل بعمرة عن نفسه وحجة عن المستأجر رد جميع

صفحة : 605

الإجارة من قبل أن سفرهما وعملهما واحد وأنه لا يخرج من العمرة إلى الحج ولا يأتى بعمل الحج دون العمرة لأنه لا يكون له أن ينوي جامعا بين عملين أحدهما عن نفسه والآخر عن غيره ولا يجوز أن يكونا معا عن المستأجر لأنه نوى أحدهما عن نفسه فصارا معا عن نفسه لأن عمل نفسه أولى به من عمل غيره إذا لم يتميز عمل نفسه من عمل غيره ولو استأجر رجل رجلا يحج عن ميت فأهل بحج عن ميت ثم نواه عن نفه كان الحج عن الذي نوى الحج عنه وكان القول في الأجرة واحدا من قولين أحدهما أنه مبطل لها الترك حقه فيها والآخر أنها له لأن الحج عن غيره ولو استأجر رجلان رجلا يحج عن أبويهما فأهل بالحج عنهما معا كان مبطلا لإجارته وكان الحج عن نفسه لاعن واحد منهما ولو نوى الحج عن نفسه وعنهما أو عن أحدهما كان عن نفسه وبطلت إجارته وإذا مات الرجل وقد وجبت عليه حجة الإسلام ولم يحج قط فتطوع متطوع قد حج حجة الإسلام بأن يحج عنه فحج عنه أجزأ عنه ثم لم يكن لوصيه أن يخرج من ماله شيئا ليحج عنه غيره ولا أن يعطى هذا شيئا لحجه عنه لأنه حج عنه متطوعا وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية أن تحج عن أبيها ورجلا أن يحج عن أمه ورجلا أن يحج عن أبيه لنذر نذره أبوه دل هذا دلالة بينة أنه يجوز أن تحرم المرأة عن الرجل ولو لم يكن فيه هذا كان أن يحرم الرجل عن الرجل والرجل عن المرأة أولى من قبل أن الرجل أكمل إحراما من المرأة وإحرامه كإحرام الرجل فأي رجل حج عن امرأة أو رجل أو امرأة حجت عن امرأة أو عن رجل أجزأ
ID ‘ ‘ ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه

أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن

ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.

وقال شيخنا ابو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو

ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة

للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب

غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال

وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع

سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ

الحديث.

صفحة : 606

باب من أين نفقة من مات ولم يحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء وطاوس أنهما قالا الحجة الواجبة من رأس المال قال الشافعي وقال غيرهما لا يحج عنه إلا أن يوصى فإن أوصى حج عنه من ثلثه إذا بلغ ذلك الثلث وبديء على الوصايا لأنه لازم فإن لم يوص لم يحج عنه من ثلث ولا من غيره إذا أنزلت الحج عنه وصيه حاص أهل الوصايا ولم يبدأ غيره من الوصايا ومن قال هكذا فكان يبدأ بالعتق بدأ عليه قال والقياس في هذا أن حجة الإسلام من رأس المال فمن قال هذا قضى أن يستأجر عنه بأقل ما يقدر عليه وذلك أن يستأجر رجل من أهل ميقاته أو قربه لتخف مؤنته ولا يستأجر رجل من بلده إذا كان بلده بعيدا إلا أن يبدل ذلك بما يوجد به رجل قريب ومن قال هذا القول قاله في الحج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به ورآه دينا عليه وقاله في كل ما كان في معناه وقاله في كل ما أوجبه الله عز وجل عليه فلم يكن له مخرج منه إلا بأدائه ولم يكن له خيار فيه مثل زكاة المال وما كان لا يكون أبدا إلا واجبا عليه شاء أو كره بغير شيء أحدثه هو لأن حقوق الآدميين إنما وجبت لهم من رأس المال وهذا من حقوق الآدميين أمر أن يؤديه إلى صنف منهم بعينه فجمع أن وجب وجوب الحج بفرض الله عز وجل وأن كان كما وصفت للآدميين ومن قال هذا بدأ هذا على جميع ما معه من الوصايا والتدبير وحاص به أهل الدين قبل الورثة إذا جعله الله واجبا وجوب ما للآدميين وهذا قول يصح والله أعلم ومن قال هذا قاله في الحج إن لم يبلغ إلا مريضا ثم لم يصح حتى مات مريضا أنه واجب عليه لا وصية لأن الواجب على المريض والصحيح سواء فأما ما لزمه من كفارة يمين أو غيره فإن أوصى به فقد قيل يكون في ثلثه كالوصايا وقيل بل لازم وما لزمه من شيء ألزمه نفسه من نذر أو كفارة قتل أو ظهار وهو واجد فقد يخالف ما لزمه بكل حال من قبل أن قد كان ولم يجب عليه فإنما أوجبه على نفسه فيختلفان في هذا ويجتمعان في أنه قد أوجب كلا منهما فأوجب هذا وأوجب إقرار الآدمي فيحتمل أن يقال هما لازمان معا وأنا استخير الله تعالى فيه
ID ‘ ‘ وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة

أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.

هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة

صفحة : 607

باب الحج بغير نية
قال الشافعي رحمه الله أحب أن ينوي الرجل الحج والعمرة عند دخوله فيهما كما أحب له في كل واجب عليه غيرهما فإن أهل بالحج ولم يكن حج حجة الإسلام ينوي أن يكون تطوعا أو ينوي أن يكون عن غيره أو أحرم فقال إحرامي كإحرام فلان لرجل غائب عنه فكان فلان مهلا بالحج كان في هذا كله حاجا وأجزأ عنه من حجة الإسلام فإن قال قائل ما دل على ما وصفت قلت فإن مسلم بن خالد وغيره أخبرنا عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أنه سمع جابرا يقول قدم علي رضي الله عنه من سعايته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت يا علي قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال فأهد وامكث حراما كما أنت قال وأهدى له علي هديا قال الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى البيداء فنظرت مد بصرى من بين راكب وراجل من بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن ورائه كلهم يريد أن يأتم به يلتمس أن يقول كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينوي إلا الحج ولا يعرف غيره ولا يعرف العمرة فلما طفنا فكنا عند المروة قال أيها الناس من لم يكن معه هدى فليحلل وليجعلها عمرة ولو استقبلت من أمريء ما استدبرت ما أهديت فحل من لم يكن معه هدى أخبرنا مسلم ابن خالد عن ابن جريج عن منصور بن عبدالرحمن عن صفية بنت شيبة عن أسماء بنت أبي بكر قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان معه هدى فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدى فليحلل ولم يكن معى هدى فحللت وكان مع الزبير هدى فلم يحلل أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا أنه الحج فلما كنا بسرف أو قريبا منها أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت ما هذا قالوا ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه قال يحيى فحدثت به القاسم ابن محمد فقال جاءتك والله بالحديث على وجهه

صفحة : 608

أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة والقاسم مثل معنى حديث سفيان لا يخالف معناه أخبرنا سفيان عن عبدالرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته لا نرى إلا الحج حتى رذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكى فقال مالك أنفست فقلت نعم فقال إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت قالت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدى ولكنني لبدت رأسي وسقت هديي فليس لي محل دون محل هديي فقام إليه سراقة بن مالك فقال يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد فقال لا بل لأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال ودخل على من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت فقال أحدهما عن طاوس إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر لبيك حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء فعقدوا الإحرام ليس على حج ولا عمرة ولا قران ينتظرون القضاء فنزل القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر من لا هدى معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدى أن يجعله حجا قال الشافعي ولبى علي وأبو موسى الأشعري باليمن وقالا في تلبيتهما إهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما بالمقام على إحرامهما فدل هذا على الفرق بين الإحرام والصلاة لأن الصلاة لا تجزي عن أحد إلا بأن ينوي فريضة بعينها وكذلك الصوم ويجزيء بالسنة الإحرام فلما دلت السنة على أنه يجوز للمرء أن يهل وإن لم ينو حجا بعينه ويحرم بإحرام الرجل لا يعرفه دل على أنه إذا أهل متطوعا ولم يحج حجة الفريضة كانت حجة الفريضة ولما كان هذا كان إذا أهل بالحج عن غيره ولم يهلل بالحج عن نفسه كانت الحجة عن نفسه وكان هذا معقولا في السنة مكتفي به عن غيره وقد ذكرت فيه حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورأيا لابن

صفحة : 609

عباس رضي الله عنهما متصلا قال ولا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حر بالغ مسلم ولا يجوز أن يحج عنه عبد بالغ ولا حر غير بالغ إذا كان حجهما لأنفسهما لا يجزي عنهما من حج الإسلام لم يجز عن غيرهما والله أعلم قال وأمر الحج والعمرة سواء فيعتمر عن الرجل كما يحج عنه ولا يجزيه أن يعتمر عنه إلا من اعتمر عن نفسه من بالغ حر مسلم قال ولو أن رجلا اعتمر عن نفسه ولم يحج فأمره رجل يحج عنه ويعتمر فحج عنه واعتمر أجزأت المعتمر عنه العمرة ولم تجز عنه الحجة وهكذا لو حج عن نفسه ولم يعتمر فحج عن غيره واعتمر أجزأت المحجوج عنه الحجة ولم تجز عنه العمرة ويجزيه أي النسكين كان العامل عمله عن نفسه ثم عمله عنه ولا يجزيه النسك الذي لم يعمله العامل عن نفسه وإذا كان ممن له أن يبعث من يحج عنه ويعتمر أجزأه أن يبعث رجلا واحدا يقرن عنه وأجزأه أن يبعث اثنين مفترقين يحج هذا عنه ويعتمر هذا عنه وكذلك امرأتين أو امرأة ورجلا قال وهذا في فرض الحج والعمرة كما وصفت يجزي رجلا أن يحج عن رجل وقد قيل إذا أجزأ في الفرض أجزأ أن يتنفل بالحج عنه وقد قيل يحج الفرض فقط بالسنة ولا يحج عنه نافلة ولا يعتمر نافلة قال الشافعي ومن قال يحج المرء عن المرء متطوعا قال إذا كان أصل الحج مفارقا للصلاة والصوم وكان المرء يعمل عن المرء الحج فيجزي عنه بعد موته وفي الحال التي لا يطيق فيها الحج فكذلك يعمله عنه متطوعا وهكذا كل شيء من أمر النسك أخبرنا ابن عيينة عن يزيد مولى عطاء قال ربما قال لي عطاء طف عني قال الشافعي وقد يحتمل أن يقال لا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حجة الإسلام وعمرته ومن قال هذا قال الدلالة عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالحج عن الرجل في الحال التي لا يقدر فيها المحجوج عنه أن يحج عن نفسه وإني لا أعلم مخالف في أن رجلا لو حج عن رجل يقدر على الحج لا يجزي عنه من حجة الإسلام فإذا كان هذا عندهم هكذا دل على أنه إنما عذر في حال الضرورة بتأذية الفرض وما جاز في الضرورة دون غيرها لم يجز ما لم يكن ضرورة مثله قال الشافعي ولو أهل رجل بحج ففاته فحل بطواف البيت وسعى بين الصفا والمروة لم يجز عنه من حجة الإسلام لأنه لم يدركها ولم تجز عنه من عمرة الإسلام ولا عمرة نذر عليه لأنها ليست بعمرة وإنما كان حجا لم يجز له أن يقيم عليه لوجهين أحدهما أنه حج سنة فلا يدخل في حج

صفحة : 610

سنة غيرها والآخر أنه ليس له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج ولو أهل بالحج في غير أشهر الحج كان إهلاله عمرة يجزيء عنه من عمرة الإسلام لأنه لا وجه للإهلال إلا بحج أو عمرة فلما أهل في وقت كانت العمرة فيه مباحة والحج محظورا كان مهلا بعمرة وليس هذا كالمهل بالحج والحج مباح له فيفوته لأن ابتداء ذلك الحج كان حجا وابتداء هذا الحج كان عمرة وإذا أجزأت العمرة بلا نية لها أنها عمرة أجزأت إذا أهل بحج وكان إهلاله عمرة قال الشافعي والعمرة لا تفوت من قبل أنها تصلح في كل شهر والحج يفوت من قبل أنه لا يصلح إلا في وقت واحد من السنة فلو أن رجلا أهل بالعمرة في عام فحبسه مرض أو خطأ عدد أو غير ذلك ما خلا العدو أقام حراما حتى يحل متى حل ولم تفته العمرة متى وصل إلى البيت فعمل عملها قال ولو حج رجل عن رجل بلا إجارة ثم أراد الإجارة لم يكن له وكان متطوعا عنه وأجزأت عنه حجته قال ولو استأجر رجل رجلا يعتمر عنه في شهر فاعتمر في غيره أو على أن يحج عنه في سنة فحج في غيرها كانت له الإجارة وكان مسيئا بما فعل قال ولا بأس بالإجارة على الحج وعلى العمرة وعلى الخير كله وهي على عمل الخير أجوز منها على ما ليس بخير ولا بر من المباح فإن قال قائل ما الحجة في جواز الإجارة على تعليم القرآن والخير قيل أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة بسورة من القرآن قال والنكاح لا يجوز إلا بماله قيمة من الإجارات والأثمان
ID ‘ ‘ القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال

تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون

خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م

ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:

(وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية

والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:

(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل

ولا يكاد يقدر عليه.

وقال النووي في قوله صلى الله عليه وسلم: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن

صفحة : 611

باب الوصية بالحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى رجل لم يحج أن يحج عنه وارث ولم يسم شيئا أحج عنه الوارث بأقل ما يوجد به أحد يحج عنه فإن لم يقبل ذلك فلا يزاد عليه ويحج عنه غيره بأقل ما يوجد من يحج عنه به ممن هو أمين على الحج قال الشافعي ولا يرد عن الوارث وصية بهذا إنما هذه إجازة ولكن لو قال أحجوه بكذا أبطل كل ما زاد على أقل ما يوجد به من يحج عنه فإن قبل ذلك لم أحج عنه غيره قال ولو أوصى لغير وارث بمائة دينا يحج بها عنه فإن حج فذلك له وما زاد على أجر مثله وصية فإن امتنع لم يحج عنه أحدا لا بأقل ما يوجد به من يحج عنه ولو قال أحجوا عني من رأي فلان بمائة دينار فرأي فلان أن يحج عنه وارث له لم يحج عنه الوارث إلا بأقل ما يوجد به من يحج عنه فإن أبي قيل لفلان رأي غير وارث فإن فعل أجزنا ذلك وإن لم يفعل أحججت عنه رجلا بأقل ما يوجد به من يحج عنه قال ولو قال رجل أول واحد يحج عني فله مائة دينار فحج عنه غير وارث فله مائة دينار وإن حج عنه وارث فله أقل ما يوجد به من يحج عنه وما زاد على ذلك مردود لأنها وصية لوارث قال ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر بما شاء كان ذلك مالا من مال المستأجر إذا أحج عنه أو اعتمر فإن استأجره على أن يحج عنه فأفسد الحج لم يقض ذلك من الرجل الحج وكان عليه أن يرد الإجارة كلها وكذلك لو أخطأ العدد ففاته الحج وكذلك الفساد في العمرة قال ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر فاصطاد صيدا أو تطيب أو فعل في الحج أو العمرة شيئا تجب فيه الفدية فدى ذلك من ماله وكانت له الإجارة وأنظر إلى كل ما كان يكون حجه لو حج عن نفسه قاضيا عنه وعليه فيه كفارة حج عن غيره جعلته فاضيا عن غيره وله الإجارة كاملة في ماله وعليه في ماله فدية كل ما أصاب قال وهكذا ولي الميت إذا استأجر رجلا يحج عن الميت لا يختلفان في شيء قال ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان زاده خيرا له ولم ينقصه وعليه في ماله دم القران قال ولو استأجره يحج عنه فاعتمر أو يعتمر فحج رد الإجارة لأن الحاج إذا أمر أن يعتمر عمل عن نفسه غير ما أمر به والحج غير العمرة والعمرة غير الحج قال ولو استأجره يحج عنه فاعتمر ثم عاد فحج عنه من ميقاته أجزأت عنه قال ولو اعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن غيره لم تكن حجته كاملة عن غيره إلا بأن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه بحج عنه من ميقاته فإن ترك ذلك وحج من دون ميقاته أهراق دما وأجزأت

صفحة : 612

عنه قال ولو خرج رجل حاجا عن رجل فسلك غير طريق المحجوج عنه وأتى على ميقات في طريقه غير ميقات الرجل فأهل منه ومضى على حجه أجزأت عنه حجة الإسلام إن شاء الله تعالى قال ويجزي الحاج عن الرجل أن ينوي الحج عنه عند إحرامه وإن لم يتكلم به أجزأ عنه كما يجزئه ذلك في نفسه والمتطوع بالحج عن الرجل كالمستأجر في كل أمره يجزيه في كل ما أجزأه في كل ويفسد عليه في كل ما أفسد عليه في كل إلا أن المتطوع لا يرد إجارة لأنه لم يأخذها قال ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو عن ميت فحج ولم يكن حج عن نفسه أجزأت عنه ولم تجز عنهما ورد الإجارة قال ولا بأس أن يستأجر الوصي للميت إذا لم يحج الميت بعض ورثة الميت عنه أوصى بذلك الميت أو لم يوص والإجارة ليست بوصية منه وإن كان المستأجر وارثا أو غير وارث فسواء ويحج عن الميت الحج والعمرة الواجبتان أوصى بهما أو لم يوص كما يؤدى عنه الواجب عليه من الدين وإن لم يوص به قال ولو أوصى بثلثه للحاج اخترت أن يعطاه فقراء الحاج ولا أعلمه يحرم أن يعطاه غني منهم قال ولو أوصى أن يحج عنه تطوعا ففيها قولان أحدهما أن ذلك جائز والآخر أن ذلك غير جائز كما لو أوصى أن يستأجر عنه من يصلى عنه لم يجز ومن قال لا يجوز رد وصيته فجعلها ميراثا قال ولو قال رجل لرجل حج عن فلان الميت بنفقتك دفع إليه النفقة أو لم يدفعها كان هذا غير جائز لأن هذه أجرة غير معلومة فإن حج أجزأت عنه وله أجرة مثله وسواء كان المستأجر وارثا أو غير وارث أوصى بذلك الميت أو لم يوص به غير أنه إن أوصى بذلك لوارث لم يجز أن يعطى من الإجارة ما زاد على أجرة مثله من الفضل لأن المحاباة وصية والوصية لا تجوز لوارث
ID ‘ ‘ العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر

كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .

صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا

يتوقف فيه إلا جاهل غبي.

والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب – الحذف كما حكاه

الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن

يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما

سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.

صفحة : 613

باب ما يؤدي عن الرجل البالغ الحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا وصل الرجل المسلم الحر البالغ إلى أن يحج أجزأت عنه حجة الإسلام وإن كان ممن لا مقدرة له بذات يده فحج ماشيا فهو محسن بتكلفه شيئا له الرخصة في تركة وحج في حين يكون عمله مؤديا عنه وكذلك لو آجر نفسه من رجل يخدمه وحج أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا سأل ابن عباس فقال أواجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك هل يجزيء عني فقال ابن عباس نعم أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب قال وكذلك لو حج وغيره يكفيه مؤنته لأنه حاج في هذه الحالات عن نفسه لا عن غيره قال وكذلك لو حج في عام أخطأ الناس فيه يوم عرفة لأن حجهم يوم يحجون كما فطرهم يوم يفطرون وأضحاهم يوم يضحون لأنهم إنما كلفوا الظاهر فيما يغيب عنهم فيما بينهم وبين الله عز وجل وهكذا لو أصاب رجل أهله بعد الرمى والحلاق كانت عليه بدنة وكان حجه تاما وهكذا لو دخل عرفة بعد الزوال وخرج منها قبل مغيب الشمس أجزأت عنه جته وأهراق دما وهكذا كل ما فعل مما ليس له في إحرامه غير الجماع كفر وأجزأت عنه من حجة الإسلام
ID ‘ ‘ وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله

ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت

جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت

عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها

هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت

خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها

فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر

على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.

ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه

والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب

الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف

ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه

صفحة : 614

باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا بلغ غلام أو عتق مملوك أو أسلم كافر بعرفة أو مزدلفة فأحرم أي هؤلاء صار إلى هذه الحال بالحج ثم وافي عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة واقفا بها أو غير واقف فقد أدرك الحج وأجزأ عنه من حجة الإسلام وعليه دم لترك الميقات ولو أحرم العبد والغلام الذي لم يبلغ بالحج ينويان بإحرامهما فرض الحج أو النافلة أو لا نية لهما ثم عتق هذا وبلغ هذا قبل عرفة أو بعرفة أو بمزدلفة أو أين كانا فرجعا إلى عرفة بعد البلوغ والعتق أجزأت عنهما من حجة الإسلام ولو احتاطا بأن يهريقا دما كان أحب إلى ولا يبين لي أن يكون ذلك عليهما وأما الكافر فلو أحرم من ميقاته ثم أسلم بعرفة لم يكن له بد من دم يهريقه لأن إحرامه ليس بإحرام ولو أذن الرجل لعبده فأهل بالحج ثم أفسده قبل عرفة ثم عتق فوافى عرفة لم تجز عنه من حجة الإسلام لأنه قد كان يجب عليه تمامها لأنه أحرم بإذن أهله وهي تجوز له وإن لم تجز عنه من حجة الإسلام فإذا أفسدها مضى فيها فاسدة وعليه قضاؤها ويهدي بدنة ثم إذا قضاها فالقضاء عنه يجزيه من حجة الإسلام قال الشافعي في الغلام المراهق لم يبلغ يهل بالحج ثم يصيب امرأته قبل عرفة ثم يحتلم بعرفة يمضى في حجه ولا أرى هذه الحجة مجزئة عنه من حجة الإسلام من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جعل له حجا فالحاج إذا جامع أفسد وعليه البدل وبدنة فإذا جاء ببدل وبدنة أجزأت عنه من حجة الإسلام قال ولو أهل ذمي أو كافر ما كان هذا بحج ثم جامع ثم أسلم قبل عرفة وبعد الجماع فجدد إحراما من الميقات أو دونه وأهراق دما لترك الميقات أجزأت عنه من حجة الإسلام لأنه لا يكون مفسدا في حال الشرك لأنه كان غير محرم فإن قال قائل فإذا زعمت أنه كان في إحرامه غير محرم أفكان الفرض عنه موضوعا قيل لا بل كان عليه وعلى كل أحد أن يؤمن بالله عز وجل وبرسوله ويؤدي الفرائض التي أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه غير أن السنة تدل وما لم أعلم المسلمين اختلفوا فيه أن كل كافر أسلم ائتنف الفرائض من يوم أسلم ولم يؤمر بإعادة ما فرط فيه في الشرك منها وإن الإسلام يهدم ما قبله إذا أسلم ثم استقام فلما كان إنما يستأنف الأعمال ولا يكون عاملا عملا يكتب له إلا بعد الإسلام كان ما كان غير مكتوب له من إحرامه ليس إحراما والعمل يكتب للعبد البالغ وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصغير له حج ففي ذلك دلالة على أنه حاج وأن حجه إن شاء الله تعالى مكتوب له

صفحة : 615

باب الرجل ينذر الحج أو العمرة قال الشافعي فمن أوجب على نفسه حجا أو عمرة بنذر فحج أو اعتمر يريد قضاء حجته أو عمرته التي نذر كان حجته وعمرته التي نوى بها قضاء النذر حجة الإسلام وعمرته ثم كان عليه قضاء حجة النذر بعد ذلك قال الشافعي فإذا مات ولم يقض النذر ولا الواجب قضى عنه الواجب أولا فإن كان في ماله سعة أو كان له من يحج عنه قضى النذر عنه بعده قال الشافعي وإن حج عنه رجل بإجارة أو تطوع ينوى عنه قضاء النذر كان الحج الواجب عليه ثم قضى عنه النذر بعده إذا كان إحرام غيره عنه إذا أراد تأدية الفرض عنه يقوم مقام إحرام نفسه عنه في الأداء عنه فكذلك هو في النذر عنه والله أعلم ولو حج عنه رجلان هذا الفرض وهذا النذر كان أحب إلى وأجزأ عنه
باب الخلاف في هذا الباب
قال الشافعي رحمه الله تعالى وقد خالفنا بعض الناس في هذا الباب فقال نحن نوافقك على أن الرجل إذا حج تطوعا أو بغير نية كان ذلك عندنا حجة الإسلام للآثار والقياس فيه ولأن التطوع ليس بواجب عليه أفرأيت الواجب عليه من النذر إن كان واجبا وفرض الحج التطوع واجبا فكيف زعمت أنه إذا نوى النذر وهو واجب كان الحج الواجب كما قلته في التطوع والنذر غير تطوع فقلت له زعمته بأنه إذا كان مستطيعا من حين يبلغ إلى أن يموت فلم يكن وقت حج يأتى عليه إلا وفرض الحج لازم له بلاشيء ألزمه نفسه ولم يكن النذر لازما له إلا بعد إيجابه فكان في نفسه بمعنى من حج تطوعا وكان الواجب بكل حال أولى أن يكون المقدم من الذي لم يجب إلا بإيجابه على نفسه فإن قال ما يشبه النذر من النافلة قيل له إذا دخل فيه بعد حج الإسلام وجب عليه أن يتمه ولكنه لما كان إذا دخل فيه كان في حكمه في أنه يتمه كمبتديء حج الإسلام ينويه كان دخوله فيه لم يوجبه عليه إنما أوجب على نفسه فرضا عليه وغيره لو أوجبه عليه فآمره بالخروج منه كما آمره بالخروج من الحج بالطواف وآمره بقضائه فقال فإنك رويت أن ابن عباس وابن عمر سئلا فقال أحدهما قضيتهما ورب الكعبة لمن نذر حجا فحجه قضاء النذر والحج المكتوب وقال الآخر هذه حجة الإسلام فليلتمس وفاء النذر فقلت فأنت تخالفهما جميعا فتزعم أن هذا النذر وعليه حجة الإسلام فكيف تحتج بما تخالف قال وأنت تخالف أحدهما فقلت إن

صفحة : 616

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن الثوري عن زيد ابن جبير قال إني لعند عبدالله بن عمر إذ سئل عن هذه فقال هذه حجة الإسلام فليلتمس أن يقضى نذره قال الشافعي ولم نر عملين وجبا عليه فلم يكن له ترك واحد منهما على الابتداء يجزي عنه أن يأتى بأحدهما فنقول هذا في الحج ينذره الرجل وعليه حجة الإسلام فإن كان قضى حجة الإسلام وبقى عليه حجة نذره فحج متطوعا فهي حجة النذر ولا يتطوع بحج وعليه حج واجب وإذا أجزأ التطوع من الحجة المكتوبة لأنا نجعل ما تطوع به هو الواجب عليه من الفرض فكذلك إذا تطوع وعليه واجب من نذر لا فرق بين ذلك
باب هل تجب العمرة وجوب الحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى وأتموا الحج والعمرة لله فاختلف الناس في العمرة فقال بعض المشرقيين العمرة تطوع وقاله سعيد بن سالم واحتج بأن سفيان الثوري أخبره عن معاوية ابن إسحق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحج جهاد والعمرة تطوع فقلت له أثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال هو منقطع وهو وإن لم تثبت به الحجة فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عز وجل يقول ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ولم يذكر في الموضع الذي بين فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة وأنا لم نعلم أحدا من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت فقلت له قد يحتمل قول الله عز وجل وأتمو الحج والعمرة لله أن يكون فرضها معا وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة كقوله تعالى أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم قال إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا فذكرها مرة مع الصلاة وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت وليس لك حجة في قولك لا نعلم أحدا أمر بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه قال لا تقضى عمرة عن ميت ولا هي تطوع كما قلت فإن كان لا نعلم لك حجة كان قول من أوجب العمرة لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال هي تطوع وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك قال ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية وأتموا الحج والعمرة لله إذا دخلتم فيهما وقال بعض أصحابنا العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها قال وهذا قول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن الآية تحتمل إيجابها وأن ابن عباس ذهب إلى إيجابها ولم يخالفه غيره من الأئمة ويحتمل تأكيدها لا إيجابها

صفحة : 617

قال الشافعي والذي هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندي وأسأل الله التوفيق أن تكون العمرة واجبة فإن الله عز وجل قرنها مع الحج فقال وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات وفي الحج زيادة عمل على العمرة فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر ومع ذلك قول ابن عباس وغيره أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله وأتموا الحج والعمرة لله أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان قال الشافعي وقاله غيره من مكيينا وهو قول الأكثر منهم قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قران العمرة مع الحج هديا ولو كان أصل العمرة تطوعا أشبه أن لا يكون لأحد أن يقرن العمرة مع الحج لأن أحدا لا يدخل في نافلة فرضا حتى يخرج من أحدهما قبل الدخول في الآخر وقد يدخل في أربع ركعات وأكثر نافلة قبل أن يفصل بينهما بسلام وليس ذلك في مكتوبة ونافلة من الصلاة فأشبه أن لا يلزمه بالتمتع أو القران هدى إذا كان أصل العمرة تطوعا بكل حال لأن حكم ما لا يكون إلا تطوعا بحال غير حكم ما يكون فرضا في حال قال الشافعي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائله عن الطيب والثياب افعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجتك أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريح عن عبدالله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن العمرة هي الحج الأصغر قال ابن جريج ولم يحدثني عبدالله بن أبي بكر عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم شيئا إلا قلت له أفي شك أنتم من أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا

صفحة : 618

قال الشافعي فإن قال قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أن تقضي الحج عن أبيها ولم يحفظ عنه أن تقضى العمرة عنه قيل له إن شاء الله قد يكون في الحديث فيحفظ بعضه دون بعض ويحفظ كله فيؤدي بعضه دون بعض ويجيب عما يسأل عنه ويستغنى أيضا بأن يعلم أن الحج إذا قضى عنه فسبيل العمرة سبيله فإن قال قائل وما يشبه ما قلت قيل روى عنه طلحة أنه سئل عن الإسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة وذكر الصيام ولم يذكر حجا ولا عمرة من الإسلام وغير هذا ما يشبه هذا والله أعلم فإن قال قائل ما وجه هذا قيل له ما وصفت من أن يكون في الخبر فيؤدي بعضه دون بعض أو يحفظ بعضه دون بعض أو يكفي بعلم السائل أو يكتفي بالجواب عن المسألة ثم يعلم السائل بعد ولا يؤدي ذلك في مسألة السائل ويؤدي في غيره قال وإذا أفرد العمرة فالميقات لها كالميقات في الحج والعمرة في كل شهر من السنة كلها إلا أنا ننهى المحرم بالحج أن يعتمر في أيام التشريق لأنه معكوف على عمل الحج ولا يخرج منه إلى الإحرام حتى يفرغ من جميع عمل الإحرام الذي أفرده قال الشافعي ولو لم يحج رجل فتوقى العمرة حتى تمضي أيام التشريق كان وجها وإن لم يفعل فجائز له لأنه في غير إحرام تمنعه به من غيره لإحرام غيره قال الشافعي ويجزيه أن يقرن الحج مع العمرة وتجزيه من العمرة الواجبة عليه ويهريق دما قياسا على قول الله عز وجل فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فالقارن أخف حالا من المتمتع المتمتع إنما أدخل عمرة فوصل بها حجا فسقط عنه ميقات الحج وقد سقط عن هذا وأدخل العمرة في أيام الحج وقد أدخلها القارن وزاد المتمتع أن تمتع بالإحلال من العمرة إلى إحرام الحج ولا يكون المتمتع في أكثر من حال القرن فيما يجب عليه من الهدى قال وتجزي العمرة قبل الحج والحج قبل العمرة من الواجبة عليه قال وإذا اعتمر قبل الحج ثم أقام بمكة حتى ينشيء الحج أنشأه من مكة لا من الميقات قال وإن أفرد الحج فأراد العمرة بعد الحج خرج من الحرم ثم أهل من أين شاء وسقط عنه بإحرامه بالحج من الميقات فأحرم بها من أقرب المواضع من ميقاتها ولا ميقات لها دون الحل كما يسقط ميقات الحج إذا قدم العمرة قبله لدخول أحدهما في الآخر وأحب إلى أن يعتمر من الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها فإن أخطاه ذلك اعتمر من التنعيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تعتمر منها وهي أقرب الحل إلى البيت فإن أخطأه ذلك اعتمر من الحديبية لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها وأراد

صفحة : 619

المدخل لعمرته منها أخبرنا ابن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت عمرو بن أوس الثقفي يقول أخبرني عبدالرحمن بن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة فيعمرها من التنعيم قال الشافعي وعائشة كانت قارنة فقضت الحج والعمرة الواجبتين عليها وأحبت أن تنصرف بعمرة غير مقرونة بحج فسألت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بإعمارها فكانت لها نافلة خيرا وقد كانت دخلت مكة بإحرام فلم يكن عليها رجوع إلى الميقات أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسمعيل بن أمية عن مزاحم عن عبدالعزيز بن عبدالله ابن خالد عن محرش الكعبي أو محرش أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر وأصبح بها قال الشافعي وأصاب ابن جريج لأن ولده عندنا يقول بنو محرش أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وربما قال سفيان عن عطاء عن عائشة وربما قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة قال الشافعي فعائشة كانت قارنة في ذي الحجة ثم اعتمرت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعمارها بعد الحج فكانت لها عمرتان في شهر ورسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل الجعرانة عمرة القضية فكان متطوعا بعمرة الجعرانة فكان وإن دخل مكة عام الفتح بغير إحرام للحرب فليست عمرته من الجعرانة قضاء ولكنها تطوع والمتطوع يتطوع بالعمرة من حيث شاء خارجا من الحرم قال الشافعي ولو أهل رجل بحج ففاته خرج من حجه بعمل عمرة وكان عليه حج قابل والهدى ولم تجز هذه عنه من حجة ولا عمرة واجبة عليه لأنه إنما خرج من الحج بعمل العمرة لا أنه أبتدأ عمرة فتجزي عنه من عمرة واجبة عليه قال الشافعي رحمه الله تعالى يجوز أن يهل الرجل بعمرة في السنة كلها يوم عرفة وأيام منى وغيرها من السنة إذا لم يكن حاجا ولم يطمع بإدراك الحج وإن طمع بإدراك الحج أحببت له أن يكون إهلاله بحج دون عمرة أو حج مع عمرة وإن لم يفعل واعتمر جازت العمرة وأجزأت عنه عمرة الإسلام وعمرة إن كان أوجبها على نفسه من نذر أو أوجبه تبرر أو اعتمر عن غيره

صفحة : 620

قال الشافعي فإن قال قائل وكيف يجوز أن تكون العمرة في أيام الحج قيل قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فأدخلت الحج على العمرة فوافت عرفة ومنى حاجة معتمرة والعمرة لها متقدمة وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هبار بن الأسود وأبا أيوب الأنصاري في يوم النحر وكان مهلا بحج أن يطوف ويسعى ويحلق ويحل فهذا عمل عمرة إن فاته الحج فإن أعظم الأيام حرمة أولاها أن ينسك فيها لله تعالى قال الشافعي ولا وجه لأن ينهى أحد أن يعتمر يوم عرفة ولا ليالي منى إلا أن يكون حاجا فلا يدخل العمرة على الحج ولا يعتمر حتى يكمل عمل الحج كله لأنه معكوف بمنى على عمل من عمل الحج من الرمي والإقامة بمنى طاف للزيارة أو لم يطف فإن اعتمر وهو في بقية من إحرام حجه أو خارجا من إحرام حجه وهو مقيم على عمل من عمل حجه فلا عمرة له ولا فدية عليه لأنه أهل بالعمرة في وقت لم يكن له أن يهل بها فيه قال الشافعي والعمرة في السنة كلها فلا بأس بأن يعتمر الرجل في السنة مرارا وهذا قول العامة من المكيين وأهل البلدان غير أن قائلا من الحجازيين كره العمرة في السنة إلا مرة واحدة وإذا كانت العمرة تصلح في كل شهر فلا تشبه الحج الذي لا يصلح إلا في يوم من شهر بعينه إن لم يدرك فيه الحج فات إلى قابل فلا يجوز أن تقاس عليه وهي تخالفه في هذا كله فإن قال قائل ما دل على ما وصفت قيل له عائشة ممن لم يكن معه هدى وممن دخل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون إحرامه عمرة فعركت فلم تقدر على الطواف للطمث فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تهل بالحج فكانت قارنة وكانت عمرتها في ذي الحجة ثم سألته أن يعمرها فأعمرها في ذي الحجة فكانت هذه عمرتين في شهر فكيف ينكر أحد بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعمرتين في شهر يزعم أن لا تكون في السنة إلا مرة أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في كل شهر عمرة أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين مرة من ذي الحليفة ومرة من الجحفة أخبرنا سفيان عن صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة

صفحة : 621

أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم اعتمرت في سنة مرتين قال صدقة فقلت هل عاب ذلك عليها أحد فقال سبحان الله أم المؤمنين فاستحييت أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع قال اعتمر عبدالله بن عمر أعواما في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام أخبرنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد عن حبيب المعلم قال سئل عطاء عن العمرة في كل شهر قال نعم قال الشافعي وفيما وصفت من عمرة عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها في ذي الحجة وفي أنه اعتمر في أشهر الحج بيان أن العمرة تجوز في أمان الحج وغيره وإذا جازت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم زايلت معنى الحج الذي لا يكون في السنة إلا مرة واحدة وصلحت في كل شهر وحين أراده صاحبه إلا أن يكون محرما بغيرها من حج أو عمرة فلا يدخل إحراما بغيره عليه قبل أن يكمله قال الشافعي وإذا أهل رجل بعمرة كان له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يدخل في الطواف بالبيت فإذا دخل فيه فليس له أن يدخل عليه الحج ولو فعل لم يلزمه حج لأنه يعمل في الخروج من عمرته في وقت ليس له إدخال الحج فيه على عمل العمرة ولو كان إهلاله بحج لم يكن له أن يدخل عليه العمرة ولو فعل لم يكن مهلا بعمرة ولا عليه فدية قال ومن لم يحج اعتمر في السنة كلها ومن حج لم يدخل العمرة على الحج حتى يكمل عمل الحج وهو آخر أيام التشريق إن أقام إلى آخرها وإن نفر النفر الأول فاعتمر يومئذ لزمته العمرة لأنه لم يبق عليه للحج عمل ولو أخره كان أحب إلى ولو أهل بالعمرة في يوم النفر الأول ولم ينفر كان إهلاله باطلا لأنه معكوف على عمل من عمل الحج فلا يخرج منه إلا بكماله والخروج منه قال وخالفنا بعض حجازيينا فقال لا يعتمر في السنة إلا مرة وهذا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أعمر عائشة في شهر واحد من سنة واحدة مرتين وخلاف فعل عائشة نفسها وعلى بن أبي طالب وابن عمر وأنس رضي الله عنهم وعوام الناس وأصل قوله إن كان قوله إن العمرة تصلح في كل السنة فكيف قاسها بالحج الذي لا يصلح إلا في يوم من السنة وأي وقت وقت للعمرة من الشهور فإن قال أي وقت شاء فكيف لم يعتمر في أي وقت شاء مرارا وقول العامة على ما قلنا
ID ‘ ‘ أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن

صفحة : 622

باب من أهل بحجتين أو عمرتين
قال الشافعي رحمه الله تعالى من أهل بحجتين معا أو حج ثم أدخل عليه حجا آخر قبل أن يكمل الحج فهو مهل بحج واحد ولا شيء عليه في الثاني من فدية ولا قضاء ولا غيره قال وإكمال عمل الحج أن لا يبقى عليه طواف ولا حلاق ولا رمى ولا مقام بمنى فإن قال قائل فكيف قلت هذا قيل كان عليه في الحج أن يأتى بعمله على كماله فيدخل فيه حراما ويكون كماله أن يخرج منه حلالا من يوم النحر من بعضه دون بعض وبعد النحر من كله بكماله فلو ألزمناه الحجتين وقلنا أكمل إحداهما أمرناه بالإحلال وهو محرم بحج ولو قلنا له لا تخرج من إحرام أحداهما إلا بخروجك من الآخر بكماله قلنا له ائت ببعض عمل الحج دون بعض فإن قال وما يبقي عليه من عمل الحج قيل الحلاق فأمرناه أن لا يكمل الحج انتظارا للذي بعده ولو جاز هذا جاز أن يقال له أقم في بلدك أو في مكة ولا تعمل لأحد حجيك حتى تعمل للآخر منهما كما يقال للقارن فيكون إنما عمل بحج واحد وبطل الآخر ولو قلنا بل يعمل لأحدهما ويبقى محرما بالآخر قلنا فهو لم يكمل عمل أحدهما وأكمل عمل الآخر فكيف يجب عليه في أحدهما ما سقط عنه في الآخر فإن قلت بل يحل من أحدهما قيل فلم يلزمه أداء الآخر إذا جاز له أن يخرج من الأول لم يدخل في غيره إلا بتجديد دخول فيه قال الشافعي وإذا كان عمر بن الخطاب وكثير ممن حفظنا عنه لم نعلم منهم اختلافا يقولون إذا أهل بحج ثم فاته عرفة لم يقم حراما وطاف وسعى وحلق ثم قضى الحج الفائت له لم يجز أبدا في الذي لم يفته الحج أن يقيم حراما بعد الحج بحرام وإذا لم يجز لم يجز إلا سقوط إحدى الحجتين والله أعلم وقد روى من وجه عن عطاء أنه قال إذا أهل بحجتين فهو مهل بحج وتابعه الحسن بن أبي الحسن قال والقول في العمرتين هكذا وكمال العمرة الطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلاق وأمرهم من فاته الحج أن يحل بطواف وسعى وحلاق ويقضى يدلان معا على أنه لا يجوز أن يهل بالحج في غير أشهر الحج لأن من فاته الحج قد يقدر أن يقيم حراما إلى قابل ولا أراه أمروه بالخروج من إحرامه بالطواف ولا يقيم حراما لأنه لا يجوز له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج ويدل على أنه إذا خرج من حجه بعمل عمرة فليس أن حجه صار عمرة ولا يصير عمرة وقد ابتدأه حجا في وقت يجوز فيه الإهلال بالحج ولو جاز أن ينفسخ الحج عمرة جاز أن يكون من ابتدأ فأهل بحجتين مهلا بحج وعمرة لأنه يصلح أن يبتدأ حج وعمرة ولم يجز لمن قال يصير

صفحة : 623

حجه عمرة إلا ما وصفت من أنه إذا ابتدأ فأهل بحجتين فهو مهل بحج وعمرة فأما من أهل بحج ثم أدخل عليه بعد إهلاله به حجا فبين في كل حال أن لا يكون مدخلا حجا على حج ولا تكون عمرة مع حج كما لو ابتدأ فأدخل عمرة على حج لم تدخل عليه ولو جاز أن يصرف الحج عمرة جاز أن تصرف العمرة حجا فيكون من أهل بعمرتين في أشهر الحج مهلا بحج وعمرة وصرفنا إحرامه إلى الذي يجوز له ولا يجوز شيء من هذا غير القول الأول من أن من أهل بحجتين فهو
باب الخلاف فيمن أهل بحجتين أو عمرتين
قال الشافعي رحمه الله وخالفنا رجلان من الناس فقال أحدهما من أهل بحجتين لزمتاه فإذا أخد في عملهما فهو رافض للآخر وقال الآخر هو رافض للآخر حين ابتدأ الإهلال وأحسبهما قالا وعليه في الرفض دم وعليه القضاء قال الشافعي قد حكى لي عنهما معا أنهما قالا من أجمع صيام يومين فصام أحدهما فليس عليه الآخر لأنه لا يجوز أن يدخل في الآخر إلا بعد الخروج من الأول وهكذا من فاتته صلوات فكبر ينوي صلاتين لم يكن إلا صلاة واحدة ولم يلزمه صلاتان معا لأنه لا يدخل في الآخر إلا من بعد الخروج من الأولى قال وكذلك لو نوى صلاتين تطوعا مما يفصل بينهما بسلام فإذا كان هذا هكذا في الصوم والصلاة فكيف لم يكن عندهما هكذا في الحج مع أنه يلزمهما أن يدعا قولهما في الحج إن زعما أن الحج يصير عمرة إذا فاتت عرفة أشبه أن يلزمهما إذا كان الإحرام بحجتين لازما أن يقولا هو حج وعمرة قالا يقضي أحدهما أو لم يقولاه قال الشافعي وبهذا قلنا لا يقرن بين عملين إلا بحج وعمرة يدخل الحج على العمرة ولا يدخل العمرة على الحج إذا بدأ بالحج لأن الأصل أن لا نجمع بين عملين فلما جمع بينهما في حال سلم في المواقيت قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم أخبرنا مالك بن أنس عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر أنه قال أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن قال ابن عمر أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من

صفحة : 624

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال قام رجل من أهل المدينة في المسجد فقال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال لي نافع ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم قال وأخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن المهل فقال سمعت ثم انتهى أراه يريد النبي صلى الله عليه وسلم يقول يهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة وأهل المغرب ويهل أهل العراق من ذات عرق ويهل أهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم قال الشافعي ولم يسم جابر بن عبدالله النبي صلى الله عليه وسلم وقد يجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب قال ابن سيرين يروي عن عمر بن الخطاب مرسلا أنه وقت لأهل المشرق ذات عرق ويجوز أن يكون سمع غير عمر بن الخطاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل المغرب الجحفة ولأهل المشرق ذا عرق ولأهل نجد قرنا ومن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال فراجعت عطاء فقلت إن النبي صلى الله عليه وسلم زعموا لم يوقت ذات عرق ولم يكن أهل المشرق حينئذ قال كذلك سمعنا أنه وقت ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق قال ولم يكن عراق ولكن لأهل المشرق ولم يعزه إلى أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يأبي إلاأن النبي صلى الله عليه وسلم وقته أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال لم يوقت رسول الله صلى الله قال الشافعي ولا أحسبه إلا كما قال طاوس والله أعلم أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه قال لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق أخبرنا الثقة عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر ابن الخطاب وقت ذات عرق لأهل المشرق

صفحة : 625

قال الشافعي وهذا عن عمر بن الخطاب مرسلا وذات عرق شبيه بقرن في القرب وألملم قال الشافعي فإن أحرم منها أهل المشرق رجوت أن يجزيهم قياسا على قرن ويلملم ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلى أخبرنا سفيان عن عبدالله بن طاوس عن أبيه قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لأهلها ولكل آت أتى عليها من غير أهلها ممن أراد الحج والعمرة ومن كان أهله من دون الميقات فليهل من حيث ينشيء حتى يأتي ذلك على أهل مكة أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت مثل معنى حديث سفيان في المواقيت أخبرنا سعيد ابن سالم عن القاسم بن معن عن ليث عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس أنه قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرنا ومن كل دون ذلك فمن حيث يبدأ أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال ليستمتع المرء بأهله وثيابه حتى يأتى كذا وكذا للمواقيت قلت أفلم يبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا بلغوا كذا وكذا أهلوا قال لا أدري
ID ‘ ‘ ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.

وقال شيخنا ابو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو

ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة

للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب

غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال

وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع

سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ

الحديث.

وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة

أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.

صفحة : 626

باب تفريع المواقيت
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال قال ولم يسم عمرو القائل إلا أنا نراه ابن عباس الرجل يهل من أهله ومن بعد ما يجاوز أين شاء ولا يجاوز الميقات إلا محرما أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم قال الشافعي وبهذا نأخذ وإذا أهل الرجل بالحج أو العمرة من دون ميقاته ثم رجع إلى ميقاته فهو محرم في رجوعه ذلك فإن قال قائل فكيف أمرته بالرجوع وقد ألزمته إحراما قد ابتدأه من دون ميقاته أقلت ذلك اتباعا لابن عباس أم خبرا من غيره أو قياسا قلت هو وإن كان اتباعا لابن عباس ففيه أنه في معنى السنة فإن قال فاذكر السنة التي هو في معنا ما قلت أرأيت إذ وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقيت لمن أراد حجا أو عمرة أليس المريد لهما مأمورا أن يكون محرما من الميقات لا يحل إلا بإتيان البيت والطواف والعمل معه قال بلى قلت أفتراه مأذونا له قبل بلوغ الميقات أن يكون غير محرم قال بلى قلت أفتراه أن يكون مأذونا له أن يكون بعض سفره حلالا وبعضه حراما قال نعم قلت أفرأيت إذا جاوز الميقات فأحرم أو لم يحرم ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه أما أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف بالبيت وعمل غيره قال بلى ولكنه إذا دخل في إحرام بعد الميقات فقد لزمه إحرامه وليس بمبتديء إحراما من الميقات قال الشافعي قلت إنه لا يضيق عليه أن يبتديء الإحرام قبل الميقات كما لا يضيق عليه لو أحرم من أهله فلم يأت الميقات إلا وقد تقدم بإحرامه لأنه قد أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف وعمل الحج وإذا كان هذا هكذا كان الذي جاوز الميقات ثم أحرم ثم رجع إليه في معنى هذا في أنه قد أتى على الميقات محرما ثم كان بعد محرما إلى أن يطوف ويعمل لإحرامه إلا أنه زاد على نفسه سفرا بالرجوع والزيادة لا تؤثمه ولا توجب عليه فدية إن شاء الله تعالى فإن قال أفرأيت من كان أهله من دون الميقات أو كان من أهل الميقات قلت سفر ذلك كله إحرام وحاله إذا جاوز أهله حال من جاوز الميقات يفعل ما أمرنا به من جاوز الميقات قال الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال عمرو بن دينار عن

صفحة : 627

طاوس من شاء أهل من بيته ومن شاء استمتع بثيابه حتى يأتى ميقاته ولكن لا يجاوزه إلا محرما يعنى ميقاته أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال المواقيت في الحج والعمرة سواء ومن شاء أهل من ورائها ومن شاء أهل منها ولا يجاوزها إلا محرما وبهذا نأخذ أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن جريج أن عطاء قال ومن أخطأ أن يهل بالحج من ميقاته أو عمد ذلك فليرجع إلى ميقاته فليهل منه إلا أن يحبسه أمر يعذر به من وجع أو غيره أو يخشى أن يفوته الحج إن رجع فليهرق دما ولا يرجع وأدنى ما يهريق من الدم في الحج أو غيره شاة أخبرنا مسلم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذي يخطيء أن يهل بالحج من ميقاته ويأتى وقد أزف الحج فيهريق دما أيخرج مع ذلك من الحرم فيهل بالحج من الحل قال لا ولم يخرج خشية الدم الذي يهريق قال الشافعي وبهذا نأخذ من أهل من دون ميقاته أمرناه بالرجوع إلى ميقاته ما بينه وبين أن يطوف بالبيت فإذا طاف بالبيت لم نأمره بالرجوع وأمرناه أن يهريق دما وإن لم يقدر على الرجوع إلى ميقاته بعذر أو تركه عامدا لم نأمره بأن يخرج إلى شيء دون ميقاته وأمرناه أن يهريق دما وهو مسيء في تركه أن يرجع إذا أمكنه عامدا ولو كان ميقات القوم قرية فأقل ما يلزمه في الإهلال أن لا يخرج من بيوتها حتى يحرم وأحب إلى إن كانت بيوتها مجتمعة أو متفرقة أن يتقصى فيحرم من أقصى بيوتها مما يلي بلده الذي هو أبعد من مكة وإن كان واديا فأحب إلى أن يحرم من أقصاه وأقربه ببلده وأبعده من مكة وإن كان ظهرا من الأرض فأقل ما يلزمه في ذلك أن يهل مما يقع عليه اسم الظهر أو الوادي أو الموضع أو القرية إلا أن يعلم موضعها فيهل منه وأحب إلى أن يحرم من أقصاه إلى بلده الذي هو أبعد من مكة فإنه إذا أتى بهذا فقد أحرم من الميقات يقينا أو زاد والزيادة لا تضر وإن علم أن القرية نقلت فيحرم من القرية الأولى وإن جاوز ما يقع عليه الاسم رجع أو أهراق دما أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبدالكريم الجزري قال رأي سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ميقات ذات عرق فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ثم قال هذه ذات عرق الأولى

صفحة : 628

قال الشافعي ومن سلك بحرا أو برا من غير وجه المواقيت أهل بالحج إذا حاذى المواقيت متأخيا وأحب إلى أن يحتاط فيحرم من وراء ذلك فإن علم أنه أهل بعد ما جاوز المواقيت كان كمن جاوزها فرجع أو أهراق دما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال من سلك بحرا أو برا من غير جهة المواقيت أحرم إذا حاذى المواقيت قال الشافعي وبهذا نأخذ ومن سلك كداء من أهل نجد والسراة أهل بالحج من قرن وذلك قبل أن يأتى ثنية كدى وذلك أرفع من قرن في نجد وأعلى وادي قرن وجماع ذلك ما قال عطاء أن يهل من جاء من غير جهة المواقيت إذا حاذى المواقيت وحديث طاوس في المواقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم أوضحها معنى وأشدها غنى عما دونه وذلك أنه أتى على المواقيت ثم قال عن النبي صلى الله عليه وسلم هن لأهلهن ولكل آت أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجا أو عمرة وكان بينا فيه إن عراقيا أو شاميا لو مر بالمدينة يريد حجا أو عمرة كان ميقاته ذا الحليفة وإن مدنيا لو جاء من اليمن كان ميقاته يلملم وإن قوله يهل أهل المدينة من ذي الحليفة إنما هو لأنهم يخرجون من بلادهم ويكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به وقوله وأهل الشام من الجحفة لأنهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به ليست المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم إلا أن يعرجوا إليها وكذلك قوله في أهل نجد واليمن لأن كل واحد منهم خارج من بلده وكذلك أول ميقات يمرون به وفيه معنى آخر أن أهل نجد اليمن يمرون بقرن فلما كانت طريقهم لم يكلفوا أن يأتوا يلملم وإنما ميقات يلملم لأهل غور اليمن يهمها ممن هي طريقهم قال الشافعي ولا يجوز في الحديث غير ما قلت والله أعلم وذلك أنه لو كان على أهل المدينة أين كانوا فأرادوا الحج أن يهلوا من ذي الحليفة رجعوا من اليمن إلى ذي الحليفة ورجع أهل اليمن من المدينة إن أرادوا منها الحج إلى يلملم ولكن معناه ما قلت والله أعلم وهو موجود في الحديث معقول فيه ومعقول في الحديث في قوله ولكل آت أتى عليها ما وصفت وقوله ممن أراد حجا أو عمرة أنهن مواقيت لمن أتى عليهم يريد حجا أو عمرة فمن أتى عليهن لا يريد حجا ولا عمرة فجاوز الميقات ثم بدا له أن يحج أو يعتمر أهل بالحج من حيث يبدو له وكان ذلك ميقاته كما يكون ميقات أهله الذين أنشأوا منه يريدون الحج أو العمرة حين أنشأوا منه وهذا معنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ممن أراد حجا أو عمرة لأن هذا جاوز الميقات لا يريد